يقول ديبلوماسي غربي بعد أن التقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في أحد اللقاءات:"أشعر أنه قائد عربي مخلص، لمسته صريحاً وشفافاً، ولا يبدو عليه التردد أبداً، وهو يؤمن بدور بلاده المحوري". حسناً، الحديث هنا منطقيٌ وسيكون حول بروز السياسة الخارجية السعودية إلى الساحة الدولية من منطق"الفعل"لا"رد الفعل"، وهي الصورة الذهنية السابقة التي ترسخت في أذهان المراقبين والمتابعين، وتحدث عنها الإعلامي داود الشريان في مقالةٍ سابقةٍ له في الصحيفة... وتوالت المواقف من أحداث لبنانية مروراً بالحال العراقية، وأخيراً بالحال الفلسطينية. ومن المنطقي الإشارة هنا إلى أن التغير الذي حدث خلال فترة قصيرة يستمد كثيراً من شخصية الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حتى لغة الخطاب الملكي، تأثرت بشخصية ملكٍ شفافٍ جداً ومبادرٍ، ومن قرأ صحف اليوم التالي لافتتاح قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، لوجد أنها حملت عنواناً واحداً:"المنطقة تجلس على برميل بارود سينفجر في أية لحظةٍ". هذا عدا أن المراقبين والمحللين وضعوا عنواناً آخراً، هو أن العاهل السعودي يعي ويملك بعضاً من مفاتيح حل معادلة بناء حلف دولي متماسك، وهي الغاية التي طالما اعتبرت معياراً شديد الحساسية عند تقويم مسيرة الزعماء، فهو يحوز ? عبدالله بن عبدالعزيز - على مكانةٍ نادرةٍ من الثقة داخل المنطقة العربية، والمجموعة الإسلامية والمجتمع الدولي. لقد مر 53 عاماً على وفاة المؤسس الكبير الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - وشعر المسلمون لحظتها بفقد قائد فذ وضع قضية فلسطينالمحتلة فوق كل اعتبار، واستمر أنجاله الملوك في التمسك بعروة الدفاع المتواصل عن الفلسطينيين أرضاً وشعباً، ما جعل من هذه القضية موقفاً سعودياً ثابتاً لا لبس في وضوحه على مدى عقود... وعندما وصلت المسؤولية التاريخية إلى الملك عبدالله بن عبدالعزيز ولياً لأمر البلاد وأمته الإسلامية، كان مدركاً لمركزية هذه القضية وبقية قضايا الأمتين العربية والإسلامية. أقول جازماً إن الملك عبدالله بن عبدالعزيز لم يشأ أن تمر الأحداث على الساحة العربية من دون أن يكون لبلاده موضع قدم فيها، كدولة تحظى بالاحترام على الصعيدين الدولي والإقليمي، مستمداً ذلك من استراتيجية واضحة في سياسة خارجية مستندةً في ذلك على ثوابت دينيةٍ، وأخلاقياتٍ واضحةٍ في كيفية تعاطيها مع القضايا العربية والشؤون والتطورات الإقليمية... إذاً السياسة الخارجية السعودية في عهد الملك عبدالله، يمكن قراءة ستة محاور رئيسة لها، أول لنقل ستة عناوين، هي: أولاً: الموقف الصارم والحازم الذي يدافع عن القضايا العربية العادلة، خصوصاً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية باعتبارها القضية العربية المركزية، فالسعودية لم تتوان يوماً عن دعم الشعب الفلسطيني ومساعدته في جهاده من أجل حقوقه الشرعية في أرضه ودولته، وفي مقابل ذلك اتسم الموقف السعودي بالوضوح تجاه السياسات الإسرائيلية، حتى أن موقفها من مبدأ"التطبيع"ربطته بالتوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية والنزاع في منطقة الشرق الأوسط على جميع المسارات، وهي المبادرة السعودية التي تبناها الملك عبدالله، واعتمدها القادة العرب في قمة بيروت. ثانياًَ: المرونة وبعد النظر في تعزيز التضامن العربي ونبذ الفرقة والارتقاء فوق الخلافات والتجاذبات بين الدول العربية مهما كانت أسبابها، وكان من نتيجة ذلك أن السعودية لم تكن في يوم من الأيام طرفاً في أي نزاع، بل كانت دائماً الطرف الوسيط الذي يحاول رأب الصدع والجمع بين المتنازعين وإزالة النزاع وتغليب المصلحة المشتركة. ثالثاً: دعم الدول العربية والوقوف إلى جانبها لتجاوز مشكلاتها الداخلية، وأبرز دليل على ذلك الموقف السعودي من المشكلة اللبنانية. رابعاً: دعم مجلس التعاون الخليجي خصوصاً الجانب الاقتصادي، ليقينها أن الالتصاقات المالية بين الدول هي من أقوى الالتصاقات السياسية والدولية. خامساً: خدمة الإسلام والمسلمين، إدراكاً منه للمسؤولية الإسلامية التي تقع على عاتق بلاده، فهي مهبط الوحي ومهد الرسالة وحاضنة بيت الله والكعبة المشرفة، ومن هذه الزاوية استمرار السعودية في دعمها للدول الإسلامية وتجمعاتها وتقديم يد المساعدة للأقليات المسلمة مادياً ومعنوياً وتخصيص بلايين الريالات لدعم إنشاء المساجد والجمعيات الإسلامية. سادساً: استمرار وتكريس الدور السعودي كلاعب مؤثر في الساحة الدولية منطلقاً من ثوابت عدة أبرزها: الإيمان بالسلام العادل والمساواة والمصالح المتبادلة بين الدول... في القضية الفلسطينية خصوصاً، كرَّس الملك عبدالله بن عبدالعزيز سياسة بلاده، ولم يخرج عن الإطار السعودي الذي تشكل منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن، وتركز في تحقيق تطلعات وطموحات الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، ودعم الصمود الفلسطيني ونضاله الوطني، والتعريف بالقضية الفلسطينية وعدالتها على مختلف الأصعدة والأوساط، كسب تأييد الرأي العام العالمي لها ودعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، أيضاً دعم العمل الوطني الفلسطيني ومعارضة مخططات طمس الهوية الفلسطينية والوقوف ضد تلك المخططات. كذلك دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والدفاع عنها وتقديم كل أشكال الدعم السياسي والمادي والمعنوي لهذه القضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني، مع تبني قضية القدس ومناصرتها بكل الوسائل. لقد أثبت الملك عبدالله أن بلاده يمكنها التعامل مع الأزمات الحالية على الساحة العربية والإسلامية التي تتسبب فيها كل مرحلة من مراحل التطور والذي كان أكثر صعوبة مما قبله، ولا تعتبر المرحلة الحالية استثناء. كما أنه قدم دليلاً على أنه ليس ثمة شك في أنه لا يوجد سبب يمنع السعوديين من الوقوف في وجه التحديات، ونجاحه ونجاح بلاده في البروز في كل مرحلة يعود في معظمه إلى براغماتية القيادة السعودية واستعدادها لرؤية التغيير باعتباره حليفاً محتملاً وليس خصماً فعلياً. * كاتب اقتصادي [email protected]+