حاولت كل من علياء القرني، ووفاء البلوشي، ونعيمة المالكي، ان ينقلن ل"الحياة"مشاعرهن بتخرجهن في دورة أقامتها الجمعية الخيرية النسائية في الدمام جود أمس، بيد أنهن فشلن جميعاً، ولم يكن للارتباك واختلاط المشاعر علاقة بفشلهن في الحديث مطلقاً، ولكن لانعدام لغة التخاطب بينهن وبين"الحياة". هن صماوات، لا يُجدن التعبير سوى بلغة الإشارة، من خلال الحركات والإيحاءات، أو الكتابة. لكنهن أبدين تصميماً قوياً على التعلم والاندماج في المجتمع، على رغم نظرة الاستهجان التي تنالهن من المجتمع المحيط بهن، بمن فيهم الأقارب. ويعلو وجه علياء القرني ملامح الغضب والانفعال، وهي تنقل بمساعدة معلمتها منى السميري، مشكلتها المتواصلة منذ نعومة أظافرها، فهي وأربعة من أخوتها، لا يتحدثون، ولا يسمعون، وعلى رغم التحاقهم بمراكز تدريب، إلا أنهم لم يتمكنوا من تعدي حواجز اللغة، ففضلوا الجلوس في المنزل. وتتسلم السميري دفة الحديث من علياء، وتقول عنها:"هي وأخوتها يعيشون في منزل واحد مع بقية أفراد عائلتهم، ولكنهم لا يتمكنون من التواصل معهم، وهذا ما يزعجها دائماً". وتتابع السميري، علياء بدقة، لتعرف مطالبها، وكيف بدأت حكايتها،"علياء تحب والدها، لأنه يجيد التواصل بلغة الإشارة، ولشدة تعلقه بها"تعلم لغة الإشارة، ليتواصل معها، إلا أن والدتها عاجزة عن ذلك، فهي تعيش في حزن على أبنائها الخمسة". وتضيف"تشكو علياء من الصعوبات التي واجهتها في التعليم، وكيفية تنقلها من المنطقة الشرقية إلى الرياض، والعكس، على أمل الحصول على الشهادة الثانوية، إلا أنها لم تتمكن من ذلك، لصعوبة التنقل بين المنطقتين، وعدم توافر مدرسة للمرحلة الثانوية في الشرقية آنذاك". وتعمل علياء وعدد من زميلاتها حالياً، في مجمع"الأمير سلطان بن عبد العزيز"، بعد أن امتلكن مواهب أثارت دهشة من حولهن، وبخاصة في مجالي الحاسب الآلي والرسم. وللطالبة نعيمة المالكي حكاية أخرى، ترويها والدتها، التي بدت عليها فرحة عارمة، لخطوبة ابنتها أخيراً، إلى ابن خالتها، الذي أعجب بصمودها وتحديها لإعاقتي الصمم والبكم. وتجلس نعيمة 23 عاماً بجوار والدتها، تبتسم، من دون ان ترفع رأسها، لشدة خجلها، فهي تفهم عما تتحدث عنه والدته. وتواصل الأم"لم أعلم أنها صماء حتى بلغت عامها الرابع، إذ بدأت أشعر أنها لا تسمع من ينادي عليها، وحاولت أن أتجاهل الأمر، خوفاً من هول الصدمة، إلا أنني اضطررت إلى الكشف عنها في عيادة الطبيب، الذي أبلغني خبر صممها، فوقع على مسامعي وقع الصاعقة". وتتمنى أم نعيمة ان تهدي لابنتها سمعها ولسانها، كي تسمع بها، وتتمكن من النطق،"فهي أغلى أبنائي". ويرتجف قلبها ويهتز وجدانها، كلما رجعت بها الذاكرة إلى الوراء،"نعيمة كانت تخاف ممن يتحدثون، وتحاول الهروب من بينهم، وترفض الاحتكاك بهم". وعلى رغم كل ما سبق فإن نعيمة تتأهب حالياً، لدخول القفص الذهبي، بعد شهور. وتبتسم محاولة التعبير عن سعادتها، و"تستعين بلغة الإشارة"لتقول"كلمات عن جهود خطيبها، الذي يعمل في واحدة من كبرى الشركات في المنطقة الشرقية وهو سليم سمعاً ونطقاً، لبناء عش الزوجية، وبدء حياتهما المستقبلية. وتُطلق الفتيات الصماوات على المجتمع اسم"السجن"، وهن لا يطلبن منه سوى"الرفق"، لقسوة ما يعشنه من"ظلم وإجحاف"في حقهن، بسبب عوقهن، الذي كان سبباً لعزلهن عن المجتمع، ليس لعجزهن عن التواصل معه، بل لخوف هذا المجتمع منهن، ومحاولة الكثير من الآباء والأمهات إبعاد أطفالهم عمن يعاني هذا العوق، الذي لم تكن لهن يد فيه، بل أنه ربما شريك فيما آلت إليه حالهن، من خلال تشجيعه على زواج الأقارب، الذي يعد السبب الأبرز في ولادة أطفال يعانون الصمم والبكم.