في إشراقة صباح يوم جميل، الشمس تسطع لتسدل أشعتها على كل الأرجاء، وصلت إلى مكتبي في خوف شديد، وحال توتر حادة بسبب جسمي المنهك، الذي ارتسمت عليه علامات السهر، جرى التفكير لتدبير الخطوات البديلة في حال تعثر خطوة سابقة، كمحاولة جادة للوصول إلى الصيغة النهائية، وانتقاء العبارات المؤثرة، والاطلاع على بعض المؤلفات والكتب التي تهتم بفنون الإقناع، والتي من خلالها استطيع انتزاع الموافقة والسماح بالاستئذان لساعتين أثناء فترة العمل من رئيسي المباشر، وان أسمع منه"روح بس لا تتأخر"، لأن الخروج أثناء الدوام الرسمي يُعد من"الهبات"وليس من الحقوق، حتى انه عند بعض المديرين ورؤساء الأقسام لا يجدي، وان أتيت بإثباتات موثقة ومصدقة من جهات حكومية، ومن رجلين عدلين يشهدان جميعاً بذلك، وأتيت برجلين آخرين لتعريف هؤلاء العدلين، وهذا مخالف للأنظمة واللوائح في جميع المؤسسات على اختلاف انتمائها. وبعد المعاناة الطويلة التي لا يتسع المجال لسرد تفاصيلها، ولرغبتي الشديدة في الخوض والدخول إلى صلب موضوع المقال، نلت تلك الموافقة، ومن ثم خرجت من مكتبي وأسرعت إلى مقر الإدارة الحكومية المعنية لإنهاء معاملتي التي أطلت في مراجعتها لا لشيء، وإنما لظروف ضغط العمل التي أعاني منها... وصلت إلى مكتب الموظف المسؤول عن معاملتي وعندما فتحت باب مكتبه أصابتني خيبة أمل، وانتابني الحزن وأطلقت الآهات مدوية ومن قوة زفرتها، أحسست أن كل من في تلك الإدارة صعقته تلك الآهات... وشعرت برغبة قوية في الصراخ لإخراج ما بداخلي من ألم، وفي تلك الأثناء جاء أحدهم وقال لي"إذا أردت الأستاذ احمد تجده في الإدارة الحكومية الفرعية الخاصة بإصدار التصاريح، فمنذ أسبوعين يأتي كل يوم الدوام ليوقع في بيان الحضور ويذهب من اجل خطأ بسيط في اسمه، وستجده وبالتحديد في مكتب الأستاذ"خالد". قلت في نفسي لا داعي لإضاعة الوقت وإطلاق عبارات التحسر والآهات، أسرعت إلى الإدارة الفرعية، وعند وصولي بحثت عن مكتب خالد، ودخلت على مكتب السكرتارية، وأخذت أفتش عمن يرشدني إلى ضالتي فلم أجد، بعد ذلك سألت السكرتير: احمد موجود، عفواً اقصد خالد؟ أجابني بأنه ليس هنا ويتوجب عليّ الحضور غداً لأنه لن يعود اليوم إلى مكتبه، لأنه مرتبط بأعمال خاصة خارج الإدارة! وبعد أن أخذت أتبادل معه أطراف الحديث لأحاول ان اكتشف أين أجد خالداً هذا؟ ومن غير أن يشعر علمت أنه كان قبل ما يقارب نصف الساعة، غادر مسرعاً إلى الإدارة الغربية الخاصة بشؤون التعليم من اجل إنهاء موضوع ابنه في تلك الإدارة، وأن الموظف المختص بمعاملته اسمه وليد، ذهبت أسابق الريح إلى الإدارة الغربية، وبعد البحث بين أروقة تلك الإدارة وجدت مكتب وليد مقفلاً، وعندما سألت عنه اخبرني احدهم بأن لديه اجتماعاً خارجياً! ولكنني اعلم بتلك الأساليب والتبريرات بين الموظفين لبعضهم، وجدت عامل البوفيه وأخذت أتودد إليه وسألته عن وليد، وبعد جهد فهمت منه ان وليداً يراجع من اجل استخراج ورقة ثبوتية من الإدارة الرابعة منذ شهرين، وتعجب العامل من ان الكثير يسألون عنه، وأين يمكن أن يجدوه؟! أطلقت الابتسامات وعلوت تلك الإدارة التي أعمل بها، رجعت إلى الريح لكي أصاحبها إلى مقر الدائرة الرابعة، وهى مكان عملي، ولكنني في الطريق احترت عمن ابحث لكي أصل إلى أحمد؟ هل ابحث عن خالد أم أفتش عن وليد؟ وخطرت لي فكرة بأن اكتب اسمه على لوحة ومقر عمله وأسير بها في المبنى، وعندما انتهيت من تجهيز تلك اللوحة دخلت إلى مقر عملي ووجدت الكثيرين من المراجعين يحملون ألواحاً خشبية ويسيرون بها، وكل منهم يضع اسم الشخص الذي يبحث عنه ومقر عمله من اجل إنهاء معاملتهم، وفي تلك الأجواء أخذت أحدث نفسي: لماذا لا يخصص قسم مؤهل بالكفاءات في كل مؤسسة حكومية وفروعها، يختص بإنهاء معاملات الموظفين في القطاعات الأخرى التي لا يتطلب حضور الموظف شخصياً لضمان سير العمل وتقديم الخدمة من دون تأخير أو تعطيل لمصالح المراجعين، وسير العمل على أكمل وجه، وسد الذرائع لتسرب الموظفين أثناء أوقات العمل الرسمي. [email protected]