ليس صرحاً ممرداً من قوارير فيخشى رشقه، ولا قامة تسندها قوائم من ثلج فنخاف أن تنهار بمرور الوقت، بل هو بناء أساسه نظام السماء، ومؤسسوه سادة العلياء، ومشغلوه خيارالأمناء ونخبة الأوفياء، فلماذا يقلق بعضنا من النقد البناء، ويعمل على كتم زفرات تأوه المتألمين، ويكتنفه إبليس حين يسمع أفواه المرضى تشتكي وتئن، وتشير إلى مواضع الوجع من الجسم، أهؤلاء الذين يخافون من الإشارة وتدمع عيونهم لعبارة تفصح عن مساوئ في الحارة؟ كيف بالله يمكن أن يعالجوا مشكلات وقضايا تراكمت حتى تآلفت مع حياتنا؟ إن هؤلاء وأمثالهم ممن يصرون على العمل من خلف ستار من دون أن تمس أبصارهم بلمسة قد آذتهم حجب وحالت بينهم وبين الإنتاجية، وساءهم سؤال الأبناء أين خبزنا يا بابا؟ وأزعجهم قول الأمهات، إننا خائفات فأمنون، فرأوا ذلك تعكيراً لجو العمل ومثيراً لمزاج العاملين الذين تعودوا ممارسة عملهم في قارورة محكمة لا يأتيها نسيم ولا كحة. بعضنا تقوم قائمته حينما يناقشه الناس في عمل أسندوه إليه، ويرى في ذلك قلة أدب منهم، بينما يرون فعلهم هو أساس المسؤولية التي يجب أن تتابع عند من وكلت إليه ويحاسب المقصر فيها، وإلا كانت مؤسساتهم نهباً للإهمال والتسيب، ومن ثم الانهيار، مدعين أنهم الأعلى والأعلم، ولا يحق لمن هم دونهم مساءلتهم، بل ربما تعدى الأمر إلى ادعاء الكمال، وأنهم ينتجون فقط الصواب وغيرهم لاينتجون إلا الأخطاء، داعين أن دعونا لا تشوشوا علينا، مدعين العصمة التي انتهت بانتقال صاحبها المعصوم المصطفى"صلى الله عليه وسلم"... لقد أصبح البعض حجر عثرة أمام مصالح البشر، ويضيقون بمن يناقشهم حاجات المواطنين الأساسية. المرأة الجوهرة ماذا فعلوا لها، اضطرت للخروج والتعرض للأخطار والحوادث، وصارت عرضة لمخالب الذئاب المفترسة من دون حماية من مستغليه، وهي تسعى لكسب رزقها الحلال بالعمل الشريف، على رغم أنها الموظفة أصلاً في بيتها تعنى به وبأولادها وتقوم على تربيتهم، وهذا أساس واجباتها... وكان المفروض أن يصرف لها راتب في مقابل وظيفتها في بيتها ورعايتها لأبنائها الذين سينضمون لخدمة المجتمع بعد أن يتأهلوا أكمل تأهيل، ويتخرجون في أحسن مقام لتقدمهم للوطن عاملين مبدعين نجباء أفذاذاً، أو ليس عمل المرأة في البيت إذا كفيت الحاجة وذل السؤال أشرف وأجل الأعمال، وتستحق عليه أغلى التقدير وأجزل العطاء؟ ماذا عملنا للشباب وتوظيفهم وهم الأجدى ربحاً والأوثق إنتماءً، ومع هذا نجد أن توظيفهم يمر بعقبات وتعرقله صعوبات لا ينفذ من خلالها إلا أصحاب الواسطات، بينما نجد أن توظيف الوافدين من السهولة بمكان، ولم تتصد لهم حماسة الغيورين على حرماتهم ومحارمهم، فالجريمة المتفاقمة مع تزايد مشكلات العمال الوافدين تصك آذاننا كل صباح في صحفنا، قتل واغتصاب وسرقات واحتيال وتزوير وأخلاقيات متدنية دخيلة علينا، ونوازع شريرة طلبتها المادة، ومع هذا بقينا صامتين لا حول لنا إلا ترديد لا حول ولا قوة إلا بالله من دون أن نحدد أهدافاً تقضي على تلك المشكلات وتنظف المجتمع من الجريمة. والمدارس المستأجرة ضيق وتهالك وحرائق ومخاطر شتى تهدد أبناءنا، وتمر السنوات وأبناؤنا يعانون منها، وتبدو تأثيراتها على نفسياتهم وعواقبها المدمرة لمستقبل حياتهم قلق وإحباط ويأس... مع تفشي ظواهر سلبية في مجتمعنا مثل الفاقة وتفكك الأسر وهروب الآباء، وعقوق الأبناء وامتهان التسول بما تكشفه صحافتنا يومياً التي تنشر في صفحاتها البيضاء حاجات الفقراء وأنات المرضى من أوجاعهم وهم لايجدون الدواء الذى طاله غلاء الأسعار فصارت ناراً تحرق الجميع! لدينا بحمد الله موارد عظيمة تكفي لتغطية احتياجاتنا جميعاً أغنياء وفقراء وتزيد، إن إيماننا بصدقية تأكيد قادتنا الأوفياء بأن الوطن للجميع والثروة فيه غير قابلة لاحتكار فئة من دون أخرى من أبنائه... فإن الأمل يسكن قلوبنا، ويشرح صدورنا بأن كل ظاهرة سلبية في مجتمعنا ستزول وتتقلص مساحتها فيه، كلما زادت أعداد الأيدي الوطنية العاملة في جميع الميادين، لتتناقص أعداد الأيدي الوافدة، وهذا الأمل يجب أن يكون قوة دفع لشبابنا ليقتحم سوق العمل والتفاني فيه لخير بلدنا وأمتنا. [email protected]