اعذر لساني لو قال إن أخلاقنا ليست في أنفسنا بل في أيدي الناس. نخاف الناس، نخاف نقدهم، لذعهم، كلامهم حتى ان البعض يخاف من مدحهم أيضاً. نخاف الناس أكثر مما نخاف عليهم. نحن ننظر إليهم من الخارج فقط، لا نرى دموعهم، لا نتلمّس مشاعر قلوبهم. نحن لا نشعر بحاجاتهم ولا نخفف آلامهم. نحن لا نتفهم ظروفهم ولا نفهم نفسياتهم. لو استمعنا لحكاياتهم، أي ضرر في هذا؟ لكل إنسان حكاية يخاف أن ينطق بها، وازداد ألماً حينما أنصحه ألا يرويها، فنقطة الضعف في هذا الزمان تصبح تلقائياً نقطة قوة يملكها عليك طرف آخر، أي طرف. واعذر لساني لو قال لبسنا ضميرنا بالمقلوب. صار الخوف على النفس كثيراً والخوف من الآخرين أكثر، حتى أعمتنا عن مشكلات إنسانية كثيرة يتخبط فيها عالمنا. لم يعد للكثير من الإنسانيات مكان في قلوبنا، ولا تأخذ لحظة تفكير من عقولنا. كل هذا لسبب بسيط هو أننا غرقنا في الفردية التي صارت فيضاناً طمرنا، واستحالت إلى عاصفة هوجاء تقتلعنا من جذورنا. ما أصعب أن يُقتلع المرء من جذوره! هذه الفردية قضت علينا، فهل نحن أحياء؟ هذه الفردية هي منتهى الأنانية، فهل هناك شيءٌ ينمو في أرض الأنانية؟ هل تنمو الزهور في الأرض السبخاء؟! لا أُنكِر أن حب الذات فيه قوة، غير أنها موقتة، قنبلة موقوتة لا يدري المرء متى تنفجر لتمِيتهُ وتصيب من حوله بشظاياها. فتخيل أن كل امرئ حولك حامل لهذه القنبلة. لذا علينا أن نحارب هذه الفردية، فهي لا تُنجز عملاً ولا ترى حقيقة الأشياء، لأن الحقائق تصبح مطامع شخصية، والطمع دائماً خائف. وعليه فقد استحلنا أُمة خوف لا تعرف الأمان، خائفة من داخلها، ممن حولها، من حاضِرها، من مستقبلها. أمة خائفة من الخوف نفسه. نحن كلنا نخاف، نخاف الفقر ولا نخاف على الفقير، نخاف على أطفالنا ولا نخاف على الطفولة، نخاف من المرض ولا نخاف على المرضى، نخاف من الزمن ولا نخاف على يومنا، نخاف من الحق ولا نخاف على العدل، نخاف من الحرب ولا نخاف على الأوطان. نحن أيضاً نخاف من النساء ولا نخاف على المرأة، ونخاف... ونخاف... ونخاف... ولا نخاف. خلف الزاوية وقت الوداع إن هذا الوقت يؤلمني كأنني وردة في جوف بركان فهل ستذكرني بوحاً وأخيلة أم ستسعى إلى محوي ونسياني؟ [email protected]