تفاقمت أزمة هروب العاملات واتضحت ملياً في شهر رمضان المبارك. واشتعلت السوق السوداء للعاملات حتى وصلت أسعار بعضهن إلى ألف وخمسمئة ريال وربما أكثر في بعض المناطق. وستستمر إذا لم تتضافر الجهود. ويبقى سؤال ملح يجول في خاطري: لماذا نترك بعض الأمور للضمير الإنساني الذي قد يكون أميناً وقد لا يكون؟ وبالتالي يترتب عليه ضياع لحقوق بعض الفئات المحتاجة أو ذوي الدخل المنخفض كالعاملة أو عامل النظافة؟ أما آن الأوان أن تقوم الدولة بإنشاء نقابة خاصة مهمتها تنظيم العلاقة بين العاملة ورب الأسرة، أو بين عامل النظافة والجهة التي يعمل بها حتى لو كانت حكومية؟ مهمة النقابة تسلم صورة من التعاقد بين العاملة ورب الأسرة، لتقوم بدرسها وتحديد مسؤولية كل طرف وحقوقه. مهمتها أيضاً تسلم الأوراق الثبوتية للعاملة. مهمتها استقطاع راتب العاملة من حساب الكفيل مباشرة كل شهر. مهمتها التكفل بتحويل راتب العاملة - إن رغبت - بشرط أن تحول فقط نصف الراتب، وأن يكون بعد شهرين من تسلمها العمل، حتى تضمن النقابة أيضاً حق رب العمل الذي تكبد ألوفاً عدة ومن حقه أن يحصل على المردود. من مهمتها أيضاً إبلاغ العاملة وأخذ توقيعها على تعهد يفيد بتعويض رب العمل براتب كامل عن كل شهر تتغيب فيه عن العمل نتيجة هروبها. وأن تعرف العاملة أن هروبها من رب العمل ثم تسليم نفسها لإدارة الترحيل لن يسقط عنها التعويض. وهذا يتطلب تعاوناً كاملاً من إدارة الترحيل. من مهامها أيضاً، التأكد من تسلم العاملة أرقام النقابة كافة، وأن يوقع رب العمل على تعهد يقر فيه بموافقته على أن تقوم النقابة بالاتصال بمنزله أو زيارته إذا دعت الضرورة، وأن يقوم بتحديث بيانات سكنه بخريطة توضيحية. وأيضاً يتعهد بعدم تسليف الخادمات ليقوموا ببعض المهام لعائلة أخرى. وإذا حدث أي كذب في البيانات فإنه يقع تحت طائلة القانون. ويتعهد أيضاً بعدم ضربها أو السماح لأحد بشتمها. وأن يعتبر هذا تعدياً وعنفاً لفظياً يعاقب عليه القانون. أعرف عائلات لديهم ضمير واع يقظ. يعاملون خادمتهم بالحسنى ويحفزونها بزيادة شهرية بسيطة. ولذلك تبقى لديهم الخادمات لفترات طويلة، لأنها تعيش في منزل تعامل فيه كإنسانة. تأكل مما يأكلون وتلبس مما يلبسون. تشاركهم الطعام. أمنت على نفسها بينهم وأمنت الأسرة على أطفالها معها. وأمنت العائلة من شرور النفس المحرومة والنفس الغريبة، من إيذاء الأطفال أو وضع مواد غريبة في الطعام، أو من السحر الذي أصبح من التهم الجاهزة للخادمة عند الرغبة في الانتقام منها أو أكل حقها بالباطل! وأعرف للأسف عائلات تعطي للخادمة بواقي الطعام، وبطريقة ربما لا يقبلها حتى الحيوان نفسه؟ أعرف عائلات للأسف الشديد تتغاضى فيها الأم عن تحرشات ابنها المراهق بالخادمة المسكينة. أعرف عائلات ترفض فيها ربة المنزل السماح للخادمة بإغلاق باب دورة المياه عند قضاء الحاجة. أو إجبارها على الاستحمام بالديتول! أعرف عائلات لا ينادونها باسمها بل:"الخبلة... الهبلة... الحيوانة... الخ". أعرف للأسف سيدة كانت تجبر الخادمة على التقيؤ وذلك بإدخال أصابعها في فمها. وقامت بتسفيرها وهي محروقة في وجهها بالمكوى. وللأسف أفادت العاملة عند ما لفتت نظر أحد المسؤولين في المطار بسقوط المكوى عليها عرضاً خوفاً من اتهامها بالسحر وتأخير سفرها! مهمة النقابة التأكد من كل هذا. لأن ما يحدث من البعض يدمي القلوب ويسيء إلينا كبلد مسلم فيه قبلة المسلمين وخاتم الرسل. كما ان ترك عمال النظافة يتسولون الناس عند كل إشارة يدمي القلب ايضاً. وللأسف يستهجن البعض هذا التصرف من إنسان راتبه 250 ريالاً، قيمة نصف حذاء"بوما"أو ربع قيمة حقيبة"فرساتشي"أو"جفنشي". والأنكى أنه لا يقبض راتبه المتواضع إلا كل ثلاثة إلى ستة اشهر. والمطلوب منه أن يرتقي"بجوعه"وأن يعذر الشركة المسؤولة لانشغالها الدائم بصرف رواتب كبار الموظفين قبل نهاية الشهر. المفروض أن يكون ملائكياً فلا تتطلع نفسه إلى رائحة المطاعم وهي تزكم النفوس. عليه أن يسكت جوعه وقهره. عليه ألا يفكر في أسرته التي تنتظر على أحر من الجمر بضعة ريالات، ربما تسد جوعاً أو توفر دواء لمريض. عليه هو في رأي البعض أن يكون ملائكياً،"يقرصه الجوع"، ويضطر اضطراراً الى الانتظار في إشارات المرور، لعل يداً حانية توفر له ثمن عشاء. عليه أن يطالب الشركة المسؤولة على توفير الرواتب في وقتها ويحثها على تنفيذ وصية خير البرية: أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه! * اختصاصية اجتماعية