{ اعترف الكاتب الرياضي والاجتماعي المعروف صالح الطريقي بأنه تلقى شرهة من شخصية رياضية، موضحاً أنه قام بإيداعها في حساب جمعية"إنسان"الخيرية، مشدداً على أنه لم يكن يمتلك الخيار للرفض أو القبول، معتبراً من منحه إياها بأنه لا يمتلك سوء نية وإن تعامل بطريقة المجتمع نفسه الذي يعيش فيه. واعتذر الطريقي لهيئة الصحافيين من مطالبته بالتحقيق في حصول رؤساء الأقسام الرياضية على 50 ألف ريال في مونديال ألمانيا، مؤكداً أنه ليس هناك حاجة إلى التحقيق بعد أن اعترف رئيس تحرير جريدة الرياضي عبدالعزيز الشرقي بذلك في مقال له. جاء ذلك في حوار أجرته معه"الحياة"جاء على النحو الآتي: تركتَ المقالة الرياضية تماماً واتجهت نحو الكتابة الاجتماعية... لماذا؟ - الإنسان عادة يزعم بأن لديه ما يقوله، وأنا أزعم أن لدي ما أقوله، وبقى أن تسأل القراء. هل وجدت الكتابة الرياضية غير مجدية فاتجهت إلى فضاء آخر؟ - الكتابة الرياضية غير مجدية... فأنا كتبت مقالاً في عام 1996 عن المنتخب السعودي وأعاد مدير تحرير مجلة اليمامة سعود العتيبي نشره ولم يقم سوى بتغيير اسم المدرب وكتب ملاحظة أن هذا نشر قبل تاريخ إعادة نشره، بمعنى أن المقال بعد ست سنوات يناقش المشكلة التي لم تحل نفسها. وفي عام 2002 كتبت مقالاً عن مشاركة المنتخب السعودي في كأس العالم، وعام 2006 نشر بالمشكلات نفسها التي لم أضف عليها سوى مطالبتي بحل الاتحاد السعودي لكرة القدم. فالحراك الرياضي ثابت ومشكلاته لا تزال ثابتة، وبالتالي لا يوجد هناك ما تضيفه فمنذ 13عاماً وأنا أكتب عن عيوب لائحة الاحتراف وأحياناً أحضرت قانونيين يناقشون اللائحة، ولكن اللائحة لم تتغير، وبالتالي لا يوجد ما نكتبه... ربما لو تم تغيير اللائحة لوجدنا ما نكتبه... فمشكلاتنا كما هي ولم تتغير ولا أحد يسمعك... ولم يبق لك سوى أن تكتب"هذه ضربة جزاء، وهذا تسلل"، وهذا جدل لن ينتهي. لهذا أبتعد عن الرياضة لأنني اكتشفت أنني من الممكن أن أعيد مقالاتي. الكثيرون يتساءلون... كيف يمكن أن يحدثنا عن"الفضيلة"والمثالية لاعب كرة يد كان له سلوك غير مناسب في الميدان؟ - هناك من يزعمون أنهم أخلاقيون، ولكنهم يلفّقون القضايا، فالإيقاف الوحيد الذي تعرضت له كان بسبب حوار صحافي أي بسبب أن"لساني كان طويلاً"، وليس بسبب سلوك في الملعب، لكن هناك من يريد تشويه صورتي، أنا أعترف أنني كنت لاعباً عصبياً، وأعترف أنني ارتكبت أخطاء، ولكن هذه خبراتي الآن، وأريد أن أقدمها للآخرين، وفي النهاية، إذا أنت أخطأت فعليك أن تخبر الآخر كي لا يرتكب الخطأ نفسه، حتى لا يكرر أخطاءك. وهناك إشكالية أخرى لدينا، وهي أن البعض لا يجد ثغرة في الموضوع الذي كتبته فيذهب إلى شخص الموضوع ويقول لك هذا الشخص"صاحب مشكلات"، ويؤلف عليك القصص. نلاحظ أن الوسط الرياضي لديه ممارسة لفظية عنيفة... ما السبب برأيك؟ - بسبب قلة الوعي، فنحن ما زلنا نؤمن بالفرزدق وجرير، فما زالت الغالبية منا أشبه بشاعر يهجو، وهناك فرق بين النقد والهجاء، فأنت لك أن تنتقد الفكرة وتثبت فشلها وتثبت حتى تفاهتها، ولكن لا يحق لك أن تثبت تفاهة الإنسان، فالإنسان له قدسيته التي لا يجب أن نقترب منها أو نقلل من قيمتها. وبسبب غياب الوعي وإيماننا بالهجو أو بالعامية"الحش"لا نعرف ما هو النقد فالنقد للإصلاح، أما الهجاء أو الحش أو العنف اللفظ فهي لتوليد العداوات. وبسبب كل هذا، يعتقد البعض حين تنتقد فكرته، أنك تنتقده أو تقلل من قيمته، والنقد لا علاقة له إلا بالفكرة وتشريحها، وإثبات مدى صحتها من عدمه. ألم تمارس أنت العنف اللفظي؟ - أتحدى أي شخص أن يحضر لي مقالاً قللت فيه من قيمة أي إنسان. مقال أطفال الحجارة؟ - هنا كنت أنتقد سلوكاً، فحين يأتي أحد الكتاب ويشكك في أخلاقيات الإنسان أو يأتي كاتب يتهم الآخر بأنه يدعو إلى الرذيلة، أو عندما يأتي كاتب ويشكك بوطنية إنسان بسبب أن جذوره من أوزباكستان أو أفغانستان وتجده يهاجمه قائلاً لماذا تنتقد منتخب السعودية لماذا لا تكتب عن منتخب أوزباكستان، فهنا هذا يجرده من الوطنية، وبالتالي أنا أهاجم هذه السلوكيات التي يمارسونها وهذا العنف. هل تقصد أن هناك عنصرية في الوسط الرياضي؟ - عنصرية كبيرة، بل تتجلى أكثر ما تتجلى في هذا الوسط، والسبب أنه في الوسط الثقافي نجد أن المثقف يتكئ على لغته ليخادعك، فكلنا تابعنا ما حدث بين الدكتور السريحي والدكتور الغذامي فالسريحي اتهم الغذامي بأنه من أهل القصيم ويحمل عداوات مناطقية. بينما الكاتب الرياضي أقل وعياً وأقل ثقافة وأقل لغة وبالتالي تظهر العنصرية بشكل جلي، وليس هناك شك في أن العنصرية ستتجلى لدى الأقل وعياً، لأنه لن يمثل عليك، ولأنه لا يجيد يمتلك الإمكانات اللغوية، وهنا أنا أنتقد السلوكيات فليس من حق أحد أن يحدد من هو المواطن ومن هو غير المواطن ومن هو الأكثر وطنية ومن هو الأقل وطنية، ومن يحق له أن يتكلم عن الوطن ومن لا يحق له ذلك، وهذه مشكلة كبيرة. وهل ما زال أطفال الحجارة موجودون في الساحة الرياضة؟ - بالتأكيد موجودون، بل وزادوا، لأنه عندما تمارس أنت العنف ثق أن الطرف الآخر سيذهب في تطرفه بالاتجاه المقابل. هل هناك تطرف في الوسط الرياضي؟ - بكل تأكيد، نحن نتعاطى مع الأمور بتطرف عنيف جداً، ويمكن تسميته إرهاباً رياضياً، ومن الممكن أن أعطيك نماذج، فما حدث للكاتب عاصم من هجوم وكذلك ما حدث لصالح بن علي الحمادي من هجوم عنيف من الطرف الآخر، وما حدث أخيراً مع صالح بن ناصر الحمادي لمجرد أنه طرح رأيه في مسألة ماجد... ونلاحظ أنه في السابق كان هناك عنف من طرف واحد،وأصبح العنف الآن من طرفين. كيف تستشرف المستقبل الإعلامي في ظل ما تتحدث عنه من تطرف وإرهاب ؟ - في وقت ما سيسقط كل هؤلاء، وذلك لسبب بسيط، هو أن هناك نوافذ أخرى لتلقي المعرفة والثقافة، مثل القنوات الفضائية وغيرها. وأعتقد أن الجيل الجديد ليس لديه استعداد لمثل هذه الأمور، ومع الوقت سيصبح هؤلاء أقليات. خذ على سبيل المثال"القاعدة"، كانت لها جماهيرية عريضة، ولكن الآن أصبح من يؤيدونها أقليات، لأن الناس اختبروا أفكارها، وأصبح الجمهور يراها لا تصدّر إلا الموت لمن يخالفها في الرأي. هل تريد أن تقول إن المتطرفين سيخسرون جماهيريتهم مثل"القاعدة"؟ - بالتأكيد، لأنه لا فرق بين الاثنين، فذاك يمارس عنف جسدي بالقتل، وهذا يمارس عنف لفظي، فذاك يدمر الجسد وذاك يدمر الروح. هل هناك ضحايا لهذا التطرف؟ - أحدهم محمد الدويش الذي ابتعد من الكتابة، لأنه وجده نفسه أمام كم هائل ممن يمارس عليه العنف اللفظي، ورفع الشكاوى الكيدية التي يجيدها كثيراً"حراس الفضيلة". كتبت مقالاً اتهمت فيها رؤساء الأقسام الرياضية بأنهم نالوا رشوة إبان وجودهم في مونديال ألمانيا؟ - أنا لم أتهمهم بأنهم نالوا رشوة، وذلك لسبب بسيط وهو أنني أعرف كيف يفكر المجتمع وكنت أخاطب المجتمع نفسه ففي مجتمعنا"الشرهة"مقبولة من الغالبية، وهي موجودة من زمان، وهذه الشرهة ينُظر إليها بمنظور"الهدية"، لكن في العالم الخارجي يُنظر لها بأنها"رشوة"... بمعنى أنك أنت رقيب على مؤسسة معينة فعندما تقدم لك هذه المؤسسة هدية فهي رشوة، ولكن نحن إلى الآن ما زلنا نؤمن بفكرة"الشرهات"وأنها هدية... ولكن علينا أن نعيد هذه الشرهة... وأنا لا أشكك بأخلاقيات من نالوها، لأنهم منطلقون من هذا المجتمع والذي لا يعتبرها خطيئة، وبالتالي فهم لا يمارسون خطيئة، بل يمارسون ما قال لهم المجتمع بأنه حلال. ولذلك فأنا كنت أخاطب المجتمع أن يعيد قراءة أخلاقياته وعموماً، أنا كتبت أن هناك إشاعات تقول إن رؤساء الأقسام الرياضية تسلموا شرهات من مسؤول رياضي، وكنت أطالب هيئة الصحافيين بأن تحقق في هذه القضية، ولكن الأستاذ عبدالعزيز الشرقي كتب مقالاً يقول بأننا أخذنا مثل كل رؤساء التحرير، واتضح لي أنها ليست إشاعة بعد أن أكد الشرقي ذلك. ولماذا لم تعد لتعلق على الأمر بعد مقال الشرقي؟ - - كان من المفترض أن أكتب مقالاً أتراجع فيه عمّا كنت طلبته، وأعني التحقيق في القضية، طالما الكثير يأخذون الشرهات، كما قال الأخ العزيز عبدالعزيز الشرقي. هل تراها رشوة؟ - شئنا أم أبينا هي رشوة... لأن الصحافة سلطة أو رقيب على المؤسسات العامة، والرشوة هي أن تعطي شخصاً مسؤولاً عنك ليغض الطرف عنك، فمن المفترض ألا يقبل الصحافي هذه الهدايا. يقال إنك نلت رشوة من شخصية رياضية كبيرة بشيك كبير؟ - أولاً لم تكن شيكاً، بل كانت 50 ألف ريال نقداً أخذتها وأرسلتها إلى جمعية"إنسان". وبصراحة لم أخذ الأمر بسوء نية أو أن هذا الشخص أراد إهانتي أو رشوتي، والسبب أنني أؤمن بأنه ابن هذا المجتمع والمجتمع يقبل الشرهة وحتى من يعطيك إياها يرى أنها هدية وأن الناس متعودون على هذا الأمر، فعندما يتعود المجتمع الصحافي أو المجتمع عموماً على شيء ما، فهذه العادة تصبح تلقائياً مباحة، ومن يفعلها لا يشعر بتأنيب الضمير. وهذا الشخص يتعامل بطريقة المجتمع نفسها. يقال بأنك طلبت نشر خبر"الشرهة"أو"الرشوة"في الصحيفة؟ - نشرت من دون ذكر اسم الشخص، لأني لا أريد أن أسيء إليه. ألا ترى أنك رفضتها من أجل تلميع نفسك؟ - على مستوى الوعي، أنا رفضتها لأني أرها رشوة، ربما على مستوى اللاوعي كانت نوعاً من الدعاية، أي أن ما تقوله أيضاً صحيح، فأنا لا أريد أن أجرد نفسي من أني بشر يسيطر عليه اللاوعي أحياناً. ظهرتَ في قناة"الإخبارية"وكان يقال بأنك ستكون محاوراً أو ضيفاً ثابتاً لكنك لم تستمر أكثر من شهرين؟ - أحد المسؤولين كان سيظهر على شاشة القناة واشترط أن يكون ظهوره في القناة في مقابل عدم ظهوري فتم إبلاغي بذلك، ولم أغضب، لأن التلفزيون السعودي مع حبي لمن يعملون به واحترامي لهم ما زالوا موظفين يذهبون إلى الدوام في وقت محدد ثم يعودون عند انتهائه، بينما الإعلام يحتاج إلى مبدعين. على أنني أؤكد أن هذا حدث قبل حضور الأستاذ محمد التونسي للقناة، الذي قام بنقلة جيدة، ولو وجد من يدعمه لحوّل القناة من دعاية وإعلان إلى إعلام حقيقي يراقب المؤسسات. ويبدو أنهم قالوا إن"الطريقي شكله سيسبب مشكلات فخله يروح وخل المسؤول ينبسط". كيف تقيم تجربتك التلفزيونية البسيطة؟ -التلفزيون إلى الآن لم يمارس الإعلام، بل يمارس الدعاية والإعلان أكثر من أي شيء آخر.