تناول الإعلامي والناقد الرياضي منصور البدر، موضوع التعصُّب، وقال: إن التعصُّب متغلغلٌ في كل جوانب المجتمع، إن كان للقبيلة أو للمنطقة أو حتى للدين. وأضاف البدر أن موضوعات التعصُّب شائعة جداً، ولمّح إلى الحادثة الأخيرة التي حصلت بين سامي الجابر وبتال القوس؛ بسبب الشعبية الكبيرة لمدرب الهلال سامي الجابر ولفريق الهلال، كانت السبب في إظهار المشكلة للسطح.
ووجّه البدر نقداً لاذعاً لمجلس الشورى، وقال متألماً: لماذا لا يناقش مجلس الشورى هذه المواضيع بدلاً من بيض الحُباري التي لا تمس المواطن لا من قريب ولا من بعيد! وعاتب المسؤولين في وزارة الإعلام على غياب الرقابة على الصحف الرياضية وما يكتب فيها من تجاوز في النقد إلى العنصرية المُقيتة.
جاء ذلك في برنامج "حراك" الذي يقدمه الإعلامي عبد العزيز قاسم يوم الجمعة على قناة "فور شباب"، وجاءت الحلقة بعنوان (التعصُّب الرياضي بوابة العنصرية)، واستضاف فيها الإعلامي منصور البدر، وعاصم عصام الدين الكاتب في صحيفة "النادي"، وتداخل هاتفياً كلٌّ من: فهد الروقي، ومحمد البكيري، والشيخ سعيد بن مسفر، والعقيد الدكتور محمد الثقفي، الباحث في أكاديمية الأمير نايف.
وطالب البدر وزير العدل بإنشاء "محكمة رياضية" تفصل في قضايا اللاعبين والجماهير وكل ما يتعلق بموضوع الرياضة من تعزير وسجن وجلد وتشهير وعقوبات مالية حتى نقضي على مثل هذه الظواهر التي تفشت في مجتمعنا, وعلى الرئاسة العامة لرعاية الشباب أن تسن قوانين وتشريعات وتكون أكثر حزماً مع هؤلاء, وتنشر كاميرات مراقبة في الملاعب لمعرفة أي شخص يتلفظ بهتافات عنصرية.
وأضاف البدر: نجد في مجال الرياضة مجالاً رحباً ومساحة الحرية كبيرة؛ ما يجعلها تزيد التعصُّب اشتعالاً.
وعزا ظهور العنصرية وتفشيها بين مجتمعنا، إلى سهولة نشر أي تعليقاتٍ في الإعلام الجديد ك "تويتر" و"الواتس" ثم تتفاقم المشكلة بالأخذ والرد.
وفي ثنايا الحديث عن العنصرية في الرياضة، انتقد البدر مقدم البرنامج عبد العزيز قاسم، عندما ساق موقف الأمير سلطان بن فهد في مداخلة "العطنيات" الشهيرة التي قال فيها: (عطني الهريفي, عطني أبو اثنين..) بأن ذلك كان من الحزم، فردَّ منصور البدر بأن تلك المداخلة سقطة كبيرة من الأمير سلطان بن فهد، وأنها كارثة مُورست في الإعلام الرسمي.
واستغرب البدر من الازدواجية والنفاق الذي يظهر من بعض الإعلاميين يثيرون التعصُّب والعنصرية ثم يتحدثون ويكتبون أنهم يحاربون التعصُّب ويرفضونه وتراهم يتحلون بالمُثل والأخلاق الفاضلة!
ثم تابع البدر حديثه بأن مشكلة العنصرية ليست مسؤولية الأمير نواف بن فيصل أو وزارة الإعلام فقط، بل مسؤولية المجتمع ككل.
وقال أيضاً: "بعض رؤساء الأندية وأعضاء الشرف ينشرون مظاهر التعصُّب, وكذلك بعض رؤساء تحرير الصحف الرياضية, ونتمنى من رؤساء التحرير الكبار الذين كانوا يوماً ما رؤساء تحرير أقسام رياضية كهاشم عبده هاشم، وغيره، أن تكون لهم مساهمة أكبر في مكافحة التعصُّب الرياضي".
كما شدد البدر على الوقوف بحزم مع أولئك المعلمين والمربين الذين يمارسون التعصُّب في أبشع صوره مع طلابهم, ويضعون ميولهم الرياضية في الاعتبار عند تعاملهم مع الطلاب. وأكّد عاصم عصام الدين الكاتب بصحيفة "النادي"، أننا لا نعول كثيراً على الرئاسة العامة لرعاية الشباب, فهي لا تمتلك العمق المطلوب, والعنصرية أكبر من نواف بن فيصل!".
ثم وجّه رسالة للأمير خالد الفيصل، قائلاً: "قضية العنصرية فشلت في البيت والمدرسة والخطابة, وهذه مسؤوليتك الآن, ونتمنى أن نرى هذه المواضيع تتناولها مناهجنا فتعالجها".
وأضاف عصام الدين "التعصُّب التقليدي الذي يتعصّب فيه الفرد لناديه المفضل أو يستفز الفريق الآخر بشكل لا يتجاوز الخطوط الحمراء هو موجود في كل دول العالم وهذا شيء عادي, لكن المشكلة في التعصُّب غير التقليدي وهو أن يُقحم أدلة وأحاديث لتخدم موضوعه ويستدل بها وهي بعيدة كل البعد عنها".
وذكر بعض الأمثلة وقال "عندما يشرب الفريق ماء زمزم قبل المباراة ثم يخسر هذا الفريق فيظن بعض المشجعين أن المشكلة تكمن في ماء زمزم!".
كما امتدح عصام الدين المواطنة نوال هوساوي، التي عملت حراكاً اجتماعياً وضربت لنا مثلاً رائعاً, وطالما أجهزة الدولة لم تتحرّك بالشكل المطلوب فعلى الجميع أن يعمل حراكاً.
وأضاف "العنصرية من أخطر القضايا وليست رياضية فقط، بل اجتماعية أيضاً, والعنصري نفسه لا يعرف أنه عنصري وهذه إحدى المشكلات، فمن يدافع عن العنصرية قد يرتكبها, كما أن الكابتن سامي الجابر في بيانه الأخير ارتكب هو نفسه عنصرية ضد البلد الشقيق اليمن!". ووجّه عصام الدين نداءً بتخصيص محكمة رياضية، يلجأ إليها المتضررون، الذين دعاهم للتكاتف والوقوف صفاً واحداً ضدّ العنصريين وتقديمهم للمحاكمة.
بعدها تداخل المحلل الرياض فهد الروقي، وقال "لقد أسمعت لو ناديت حياً .. ولكن لا حياة لمَن تنادي؛ بحّت أصواتنا ونحن ندعو إلى الحد من هذا التعصُّب في ظل غياب القانون والرادع القوي, فالتعصُّب موجود منذ القِدم, لكنه زاد على حده فأصبح كالورم الخبيث".
كما استغرب الروقي من تجاهل الإعلام بعض المظاهر والسلوكيات الجميلة كأن يسجد اللاعب شُكراً لله, أو يشرب وهو جالس تطبيقاً لسنة رسوله, ثم يركز على السلبيات ويلوكها حتى يؤجّجها!
ثم ردّ عليه عاصم عصام الدين، بأنك أنت تناقض نفسك, فعندما يتهافت المدرج الهلالي للاتحاد، ويقول (نيجيري) وجدناك تبرّر هذا السلوك, وعندما أتت هذه القضية على سامي الجابر وجدناك تهاجم هذا السلوك, وأنت أيضاً مَن كتبت في مقالك تعاتب أحد النصراويين (باعوا دنياهم بآخرتهم).
عندها قال الروقي "أنا كتبت قبل هذه العبارة (يبدو) وعندي من الشواهد ما يثبت ذلك, وموضوع الهتافات قلت في برنامج (المجلس) خلونا نتجاوز هذه الهتافات, وحديثنا عنها هو نشر لها, وأنا أرفض التعصُّب إطلاقاً".
وطالب الروقي في نهاية مداخلته بوجود محكمة رياضية تفصل في هذه القضايا.
وفي مداخلةٍ هاتفية من محمد البكيري، قال: أنا مع التعصُّب الرياضي الذي يعني الحماسة والولاء, لكن الخطورة تكمن عندما يتجاوز ذلك إلى المناطقية والقبلية واللون مع انعدام القانون! وردّ بالموافقة على ما ذكره مقدم البرنامج عبد العزيز قاسم، بأن الساحة تحتاج إلى شخصية حازمة، وأن الأمير نواف بن فيصل هو شاعر مرهف الحس، والساحة تحتاج إلى حزم مثل حزم والده فيصل بن فهد. ودلّل البكيري، بقوله: "في 2007 عندما صدرت عنصرية من مدرب الهلال ضدّ الاتحاد, صدر قرارٌ حينها من الأمير سلطان بن فهد، بنقل المباراة من الرياض إلى الطائف". وأضاف أن شخصية الأمير نواف بن فيصل ليست سبباً في تفاقم المشكلة في ظل غياب القانون والتشريع أصلاً.
كما تكمن المشكلة بشكل كبير عندما يرى بعض الأطفال والشباب من بعض أفراد المجتمع ممارسات عنصرية في الشارع وفي كل مكان فيحسبونها شيئاً عادياً فيقلدونها!
ثم أكّد العقيد الدكتور محمد الثقفي الباحث في أكاديمية الأمير نايف، أن المنظومة الإعلامية الرياضية - سواءً إعلاميين أو لاعبين أو رؤساء أندية ومدربين - هم أحد أبرز أسباب انتشار العنصرية والعنف في مجتمعنا, وما ينجم عن التعصُّب من سلوكياتٍ قد يتحول إلى عنفٍ موجّهٍ نحو الآخر.
ثم أشاد الشيخ سعيد بن مسفر الداعية المعروف، في مداخلته الهاتفية بموضوع الحلقة، وأهمية طرحه في هذا الوقت, وقال: كنت مدرساً للتربية الرياضية ثم موجّهاً لها, وأسهمت في تأسيس نادي أبها الحالي, وشاركت في تحكيم مباريات عدة.
وأشار الشيخ إلى أن التشجيع المعقول هو المطلوب، ولكن عندما يتجاوز ذلك للتعصُّب والشتم والسب والعدوان تكمن هنا المشكلة, فهذا مظهرٌ من مظاهر التخلف.
ويقول ابن مسفر في قضية مؤلمة مضحكة "رجل يشجع نادياً شهيراً في جدة وزوجته تشجع النادي الآخر, وكانت تلك الليلة مباراة ديربي بين الفريقين الكبيرين, ففاز الفريق الذي تشجعه الزوجة بثلاثة أهداف مقابل لا شيء, وعندما عاد الرجل بعد المباراة لبيته وجد البيت قد زُيّن وبُخّر, واستقبلته الزوجة فرحة تشير بثلاثة أصابع - كناية عن الفوز, فاشتاط الرجل منها غيظاً وأشار هو أيضاً بثلاثة أصابع ليطلقها بالثلاث"!
وختم مداخلته بأن الخوف يكمن عندما ينشأ جيلٌ متعصبٌ ربما يكون أداة لبعض المُغرضين من كارهي الوطن فيستغلون تعصُّبهم.