«من فيض».. من دواخل الأسماء التي يستضيفها هذا الفضاء، نحاول مقاربة جوانب مخزونها الثقافي والمعرفي، واستكناه بواطنها لتمطر، ثم تقديمها إلى الناس، مصطحبين تجاربهم، ذكرياتهم، ورؤاهم في الحياة ومن حولهم، وذلك على شاكلة أسئلة قصيرة وخفيفة في آن معا. فلسفته في الحياة بأن أي إجابة على أي سؤال يدور في ذهنه لا تعتبر الحقيقة المطلقة، لأنه سيتوقف عن التطور إذا كانت هي الإجابة الحقيقية وبدأ في البحث عن كل جديد يغذي به عقله وفكره، ولأنه لم يجد مبتغاه في جامعاتنا لم يدخل اليأس إلى داخله ولكن بعزيمته وإصراره وعشقه للقراءة تعلم في منزله، تعددت مواهبه فهو القبضة الحديدية التي امتعتنا بلعبه لكرة اليد، وهو الكاتب الاجتماعي الذي يلامس هموم المواطنين كل يوم في عموده في «عكاظ»، وهو المحلل الرياضي. ضيفنا اليوم صالح الطريقي لتكتشف عزيزي القارئ ما يدور في داخله من أفكار وآراء، فإلى تفاصيل الحوار: • من هو صالح الطريقي؟ إنسان .. هذه أدق إجابة في اعتقادي. • أسئلتك الفلسفية الطفولية هل وجدت لها إجابة؟ في كل مرحلة أجد لها إجابات، لكني مؤمن بأنه علي ألا أعتقد أن أي إجابة هي حقيقة مطلقة؛ لأننا هنا سندع العقل يكف عن التفكير، وحين يحدث هذا سيتوقف الإنسان عن التطور، وبما أنه (أي الإنسان) نواة المجتمع، فمجتمعه سينزع للثبات ولن يتطور أيضا. • ما أسباب بزوغ نجم صالح الطريقي إعلاميا؟ يخيل لي أن نجاح أي إعلامي مرتبط بفهمه لقيمة الإعلام للمجتمع وأنه سلطة المجتمع على مؤسسات الدولة. كذلك مرتبط بقدرة الإعلامي على عدم جعل الآخر يدفعه لدائرة القضايا الشخصية، فتصبح القضية هنا شخصية، وحين يحدث هذا لن يكون محايدا، والإعلام وليس الإعلامي فقط حين لا يكون محايدا يفسد. • ما الفرق بين الطريقي الكاتب الاجتماعي والطريقي المحلل الرياضي؟ الفارق أن الرياضي دخل دائرة الرياضة 15 عاما، فيما الآخر ومنذ طفولته وهو يقرأ ويعشق القراءة، وللأسف جامعاتنا لا يوجد فيها قسم فلسفة، لهذا لم يدرس الفلسفة، فتعلم من منزله، وراح يقرأ في الفلسفة والمنطق، وربما أغلب الكتب في مكتبته التي اقتربت من 10 آلاف فلسفة وفكر ومنطق وقانون، والقليل من كل شيء لمعرفة كل شيء لقتل جزء من جهله حتى لا يكون صيدا سهلا للدجالين في كل مجال. • يقال: صالح الطريقي كاتب مشاكس ما رأيك في ذلك؟ ربما، فالأمر نسبي، لكنني أحاول أن أكون دائما موضوعيا، وأرجو أن تنتبه لكلمة «أحاول». • «خالف تعرف» هل أنت مع هذه القاعدة؟ هذه ليست قاعدة، هذه سلاح فتاك يوجه ضد كل من يريد طرح رأي يختلف عن الآخر. ما يدهشني ليس هذا السلاح، بل أولئك الأشخاص الذين يؤكدون أنهم يؤمنون بالرأي الآخر، وحين تطرح الرأي الآخر يقولون لك خالف تعرف. • التصنيفات التي تطلق على الكتاب كيف تراها؟ المجتمع المذاهبي/القبلي لا يستطيع رؤيتك حرا خارج القبيلة أو المذهب، حتى الليبرالية جعلوها قبيلة لحشر من يريدون، مع أن الليبرالي لا يستطيع أن يكون مع أي شخص أو أي حزب بشكل مطلق وإلا فقد صفته الليبرالية. خلاصة القول: لن نتخلص من هذه التصنيفات ما لم نحرر عقولنا من تلك الأفكار. • القلم النسائي أمام القلم الذكوري هل هناك تنافس بينهما؟ ربما بعض الكاتبات دخلن في هذه المنافسة كالدكتورة عزيزة المانع والدكتورة بدرية البشر وسوزان المشهدي وحصة آل الشيخ وحليمة مظفر وغيرهن. وسبب التنافس أنهن خلقن ثقافة ولغة خاصة بالمرأة تفكر بها بعيدا عن ثقافة الرجل السائدة ورؤيته للأمور التي هي عادة تبحث عن تحقيق مصالح جنسه. ولكن للأسف مازلن أقلية، فأغلب الكاتبات يكتبن بعقلية الرجل رغم أنهن يشترين العطور النسائية، فيما مقالاتهن بشنب. • ألا ترى أن هناك خطوطا حمراء لا يجب المساس بها؟ هذا السؤال يذكرني بأحد أبطال الروائي «ميلان كونديرا» الذي قال: «في كل دول العالم ستجد مادة في الدستور تقول لك: إن الدستور يضمن حرية التعبير، بيد أن القوانين تعاقب كل من يمس أمن الدولة». ولا أحد يعرف متى هذا الكلام أو ذاك الكلام يمس الأمن، لا أحد يعرف أين هي الخطوط الحمراء ليقف قبلها. ولأن الأمر كذلك بعض الكتاب الوقحين يتجاوزون حدودهم لمعرفة أين هي حدودهم؟ إن تمت إعادتهم لحدودهم سيعرفون حدودهم، وإن لم يعيدهم أحد سيكتشفون أنهم كانوا واهمين حين وضعوا لهم حدودا ضيقة. • مجال اقتحمته واكتشفت أنك لست مبدعا فيه؟ إلى الآن لم أفعل هذا، لكنني على يقين أنني لا أصلح للعمل الدبلوماسي، ولا حتى للتسويق، فليس لدي موهبة للعمل في هذه المجالات. • من هو معلمك الأول والذي تدين له بالفضل فيما أنت عليه الآن؟ بالتأكيد والدي - رحمة الله عليه - الذي لم يكن يقرأ ولا يكتب، وحين حاول المثقف المغرور بداخلي أن يمارس فوقية المثقف عليه سأله: بعد كل هذه الحياة ما الحكمة التي خرجت منها؟ وكان يعتقد المثقف أن ما سيقال مكرورا، لكن المحارب أبي قال لذاك المثقف: كنت في حرب 1948م أمشي أنا وصديقي، كنا دائما نمشي هو على يميني وأنا على شماله، ذات يوم غيرنا عادتنا، فأتت الرصاصة في صدره، أخاف أن أقول لك لا تغير عادتك فلا تنجو مثلي، أو أقول لك غير عادتك فتموت مثل صديقي، يا بني الحياة أعقد من أن نفهمها في حياة واحدة. هذا المحارب وقبل أن يرحل قال لي: أفعل ما تريد، ولكن لا تخن مبادئك. • يقال «وراء كل رجل عظيم امرأة» كيف هي المرأة في حياتك؟ هنا تحضر لطيفة الحمزة أمي .. هذه المرأة التي تستحق كل شيء، لكن ابنها عاجز عن منحها كل شيء. • الإعلام العربي أصبح كالبركان الثائر كيف ترى ثورته؟ صل على النبي، ألم تقرأ التقرير الصادر من «مؤسسة هاوس» الأمريكية عن الصحافة العربية؟ ففي آخر تصنيف «لحرية الصحافة للعام 2011م»، وضع العرب بأكملهم في مؤخرة الترتيب من 196 دولة. • صعودك للمدرجات واشتباكك مع الجماهير ماذا تعني لك هذه الحادثة؟ هذه القصة قام بها صالح النعيمة، وتم حذف الاسم الثاني النعيمة ووضع الطريقي لتشويه الصورة، هذه القصة تذكرني بقصة «أني لاعب شطب عدة مرات، وتم إيقافه كثيرا»، وكان لاعب في الفريق معنا هو من حدث له هذا، ولكن في الحروب يمكن لك تزوير الحكايات لتحقق أهدافك، ومع الوقت ومع تكرارها تصبح حقيقة، بل وسؤال يطرح عليك «لماذا فعلت هذا»؟ • هل أنت هلالي أم أهلاوي ولأي لون تحن؟ يخيل لي الآن أن أشجع الجمال في الرياضة في الفن في كل شيء، والجمال ليس حكرا على أحد. ذات مرة سألني أحد الأصدقاء ألم تفرح لفوز الفريق الفلاني وهزيمة الفريق العلاني، قلت له: لا أستطيع ربط سعادتي بأقدام اللاعبين. • لماذا اخترت كرة اليد تحديدا؟ عناد مراهق طرده مدرب منتخب مدارس الرياض من التمرين، فقرر أن يعاقبه ودخل كرة اليد، وبعد عام أصبح يمثل الهلال ناشئين وشباب ودرجة أولى، كذلك المنتخب، وأصبح ذاك المدرب يرجوني أن أحضر التدريب، لكني كنت أدعي أن أجندتي مزحومة ويمكن لي اللعب معه في المباريات فقط، وكنت أتعمد التأخر أقف خلف سور المدرسة وأراقب مدرب منتخب المدارس، وعيناه معلقتان على باب المدرسة ينتظر المخلص، وحين يفقد الأمل ويجلس على المقعد يأسا أدخل من الباب. في ذاك الوقت كنت أنظر لهذه الأمور بفرح المحارب الذي انتصر في معركته، الآن أراها حماقات ارتكبها مراهق فغيرت حياته. • لو عاد بك الزمن إلى الوراء تختار كرة اليد أم كرة القدم؟ لو عاد الزمن كنت سأذهب للخارج لأدرس مادة الرياضيات، فهذه المادة كنت أعشقها لدرجة أني كنت أشرح لأختي حصة التي تكبرني بعام مادة الرياضيات رغم أنها متقدمة علي دراسيا. • خط الستة هل صنع نجومية صالح الطريقي إعلاميا؟ بالتأكيد .. لأن البرنامج ناجح بكل المقاييس. • لماذا لا تكتب في الرياضة مثلما تتحدث عنها في الفضائيات؟ أكتب في الرياضة ولكن عبر مقال أسبوعي في مجلة إماراتية. • من صنع نجومية خط الستة محمد نجيب أم أركانه الأربعة؟ أعتقد الجميع ترك بصمته، فبرنامج بدون محاور قدير ومتمكن وأن يكون الضيف عبقريا لن ينجح، كذلك محاور رائع بدون أشخاص لديهم ما يقولونه وإن اختلفت معهم في وجهة النظر لن ينجح أيضا. • لو عرض عليك منصب رئيس ناد هل تقبل؟ بالتأكيد لا .. فالأمر مرتبط بالجانب المادي، ربما لو كنت مليونيرا سأعيد النظر، فالإنسان بطبعه يحب الأضواء، الحشرة كذلك. • هل يستمد صالح الطريقي قوته من الانتقادات التي توجه له في المنتديات؟ المنتديات أغلبها لا تمارس النقد، إنها تمارس العنف اللفظي وتمزيق كرامة الإنسان، ومع هذا أرى أن المنتديات هي أهم مصدر للباحث ليعرف مدى طغيان المجتمع على الفرد، فيتحول هذا الفرد إلى شخصية عدوانية تريد أن تنتقم من أي شيء. • الإعلام الرياضي المتعصب ما أثره على الرياضة وكيف تتم محاربته؟ الرياضة مرآة للمجتمع، إن أردت إصلاح التعصب الرياضي عليك أن تصلح المجتمع. • هل تذكر الخلاف الذي حدث بين مثقفي أساتذة جامعة؟ لقد وصل الأمر للمحاكم بسبب التعصب، ألا يقول لنا هذا المشهد الثقافي، إنه من الطبيعي أن يكون المشهد الرياضي متعصبا طالما كان المثقفون كذلك. • كانت الرياضة بوابة لرؤساء تحرير كبرى صحفنا متى نراك رئيسا للتحرير؟ أعتقد أن الكثير يرى الجانب المضيء في منصب رئيس التحرير، بيد أني أرى الجانب المظلم في هذا المنصب، وأتعاطف مع كل رؤساء التحرير في العالم العربي، فهم دائما يوضعون بين خيارين، إما أن تغضب منك الجماهير، أو يجوع أبناؤك لأنك سترى نفسك عاطلا عن العمل، لهذا لم أحلم ولا مرة أن أكون رئيس تحرير، فهذا المنصب أراه كابوسا. • آسف المقال لم يجز للنشر» كيف تتعامل مع هذه العبارة؟ فيما مضى قبل 18 عاما كانت تغضبني وتثيرني كثيرا، الآن أنظر للأمر بموضوعية أو هكذا أرى، فالكاتب يجلس في بيته يكتب مقالا دون أن يفكر بردود الفعل، فيما تبعات مقاله تقع على رأس رئيس التحرير ومديري التحرير ومن أجاز المقال وربما المصحح، أما هو فمنتش وهو يقرأ ردود القراء «الله يعمر بيتك»، فيما من بالجريدة مهددة بيوتهم بالزلزال، لهذا أصبحت أتفهم هذه الجملة، وأعتقد لو كنت مكانهم ربما سأقولها إن كان المقال سيسبب زلزالا. • صديقك الذي توجه له رسائلك الملتهبة في مقالاتك دائما من هو؟ الحق يقال مقالات صديقي موجهة لي أنا، فهذا الصديق يكتب لي ليصلحني إنسانيا، وأترك القراء يتلصصون على ما يقوله صديقي، أما من هو؟ فهو رجل يرى الأمور بحكمة وعمق، لكنه لا يحضر كثيرا، ويخيل لي أنه يزور الجميع، ولكن أيضا لا يحضر كثيرا. • رسائلك لمن توجهها؟ * محمد نجيب: ثمة أشخاص خاصون جدا لديهم قلوب خاصة جدا، هؤلاء الأشخاص يعلمونا ما الذي يعنيه أن تكون صديقا وفيا. * إبراهيم ابني: أتمنى ألا تشبهني؛ لأنه إن حدث هذا أنا فشلت كأب، فليس من العدل أن تعيش شخصية بنفس التفكير وبنفس العقلية وبنفس الأخطاء مرتين أو ثلاثا، وتصبح كارثة إن كانت هذه الشخصية عمرها 700 عام.