تشكل مرحلة اختيار التخصص الجامعي منعطفاً مهماً في حياة الأبناء والبنات، ويلجأ معظم الآباء إلى استخدام سلطاتهم الأبوية لإلزام الأبناء على قبول تخصصات يرونها"ترفع الرأس"، للمباهاة والمفاخرة الاجتماعية، وان كانت ضد رغبات أبنائهم. وهذا يجعل كثيراً من الأبناء والبنات في تشوش ذهني ينسحب على أدائهم في التخصصات التي يقبلون فيها تلبية لطلبات آبائهم وأمهاتهم. "لا أعرف في أي اتجاه سأمضي"، هكذا بدأت عبير الحمد حديثها، في إشارة إلى مشكلتها المتمثلة في عدم اختيارها التخصص الذي تحلم به، وهو الحاسب الآلي، بعدما تمسك والدها بضرورة التحاقها بكلية الطب، خصوصا أنها حصلت على معدل عالٍ. ودفع أخوها الأكبر باتجاه انضمامها لكلية الصيدلة، ما جعلها تعيش في صراع نفسي، وتفقد القدرة على الإصغاء إلى صوت رغبتها. وتواجه أميرة الموسى مشكلة تدخل أبويها لاختيار تخصص دراسي آخر غير ما تمنته، وتقول:"معلمتي في المرحلة الثانوية أشادت بتفوقي في اللغة الانكليزية، ولحبي لتلك اللغة أرغب في دراسة الأدب الانكليزي، لكن حصولي على معدل 99 في المئة جعل والدتي ترفض اختياري، وتصر على استبدال"العلوم الطبية"به. ولكن، هل يحق للبنت أن تضرب بكلام أهلها عرض الحائط عندما تتعارض رغبتها في اختيار تخصص بعينه مع رغبتهم؟ وهنا، تقول زهرة أحمد:"رفضت اقتراح والدي بأن أختار كلية العلوم، لأن ذلك يتعارض مع ميولي الأدبية ورغبتي الشخصية المتمثلة في دراسة علم الاجتماع، الذي أريده وأهواه وسأنجح فيه". وتضيف:"أعرف طالبات مارس أهلهن ضغوطاً عليهن في دراستهن الجامعية فكانت النهاية الفشل في الدراسة". ويقول بدر المنصور:"أعلم أن الأهل حريصون على مصلحة أبنائهم، نظراً إلى خبرتهم في الحياة، ولذلك فإن والديّ يقدمان مساعدتهما لي في الاختيار بتوجيهي لبعض التخصصات، وعليّ أن اتخذ القرار بنفسي بالتوجه إلى الكلية التي تناسب ميولي وقدراتي العلمية". أما عادل القحطاني فيقول:"سأختار التخصص الذي أرغب فيه والمناسب لميولي وقدراتي العلمية". ويتساءل بنبرة حادة:"لماذا يتدخل الأهل في هذا الأمر ويمارسون الضغوط على أبنائهم؟ برأيي أن نصيب أولئك الأبناء سيكون الفشل الذر يع في الدراسة ومنعهم من تحقيق طموحاتهم". ماذا يقول الأهل في هذا الشأن؟ وكيف يفسرون تدخلهم باختيار التخصصات التي يريدونها هم بغض النظر عن رغبات الأبناء؟"بعض الطالبات يخترن تخصصاتهن من دون درس أو تفكير"، هذا ما تؤكده والدة زهرة أحمد التي تقول:"ابنتي لا تملك نظرة مستقبلية، فالتخصص الذي اختارته علم الاجتماع غير مطلوب في سوق العمل، وستتحول شهادتها إلى صورة معلقة على الجدران فقط". ويقول عبدالعزيز المنصور والد بدر:"الخيار في التخصص الجامعي تركته لابني مع توجيهه بالنصيحة، ودراسة ما يرغب في الجامعة، مع مراعاة توجهات سوق العمل، وهذا الأمر أتبعه مع كل أبنائي". وتصف أمل السعيد أم لأربعة أبناء معاناتها مع ابنتها الكبرى التي درست في كلية لا تميل إليها، وتم تحويلها من كلية إلى أخرى، وعانت الكثير إلى أن تخرجت. وتلوم أم أمل نفسها في ذلك قائلة:"أنا وزوجي من تسبب في تأخر ابنتنا في دراستها، ولن نكرر الخطأ مع ابنتنا الأخرى، بل سنترك لها حرية الاختيار بحسب توجهها وميولها". ويشير نواف المانع أب لخمسة أبناء إلى أن التباهي بإلحاق الأبناء رغماً عنهم في كليات مرموقة كالطب والهندسة وما شابه، دليل على قصور في الوعي الاجتماعي، وربما يكون سبب ذلك سد نقص بجوانب معينة في شخصيات الآباء والأمهات. ويضيف:"سيطرة الآباء ستعرّض الابن إلى الفشل في تحقيق طموح أسرته، والإحباط بسبب عدم تحقيق هدفه العلمي، وبالتالي ينعكس ذلك على حياة الطالب الشخصية والعملية". وتؤكد الاختصاصية الاجتماعية شيخة القحطاني أن الطالب أو الطالبة في هذه المرحلة يكون منفعلاً بالعواطف، ليرضي أهله، وفي الوقت ذاته يود أن يشبع ميوله ويحقق طموحه، فيأتي هنا دور الأسرة التي ينبغي أن تكون أكثر نضجاً، وترى الأمر بنظرة واقعية. وأضافت:"أن المباهاة والمفاخرة الاجتماعية من أهم الأسباب للاتجاه لفرض التخصص على الأبناء". وتنصح الأهل بعدم اعتبار المجموع الكبير أساساً لدخول الجامعة، بل يجب أن ينظر إلى ميول الطالب أو الطالبة، فمهما نال الطالب من مجموع كبير يجب أن يناقش في ميوله، وفي الوظائف التي ستكون مطروحة مستقبلاً، حتى لا يضطر الطالب إلى دخول مجال لا يرغب فيه فيفشل.