في 28 من شهر نيسان أبريل من عام 1919، أنشئت عصبة الأمم من الدول الموقعة على معاهدة فرساي، بعد أن حطت الحرب العالمية الأولى أوزارها، بقصد إنماء روح التفاهم والتعاون بين أمم الأرض، ولإرساء وضمان السلام والأمن العالميين ? كما يقال - وكان مركزها الأساسي في جنيف، واستمرت إلى عام 1946، لتحل محلها منظمة الأممالمتحدة، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وانتقل مقرها إلى حيث القوة العالمية والمنظمة الصهيونية، نيويورك، ونص ميثاق المنظمة الجديدة على"حفظ السلام والأمن الدوليين وإنماء العلاقات الودية بين الشعوب". وأبرز أجهزة الأممالمتحدة هي الجمعية العامة، ومجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، ويرتبط بها عدد من المؤسسات التي تقوم بأدوار هامشية في مجال المساعدات، مثل مكتب العمل الدولي الذي يفرض حق الدول الكبيرة على الصغيرة، والبنك الدولي الذي يغرق الدول الفقيرة بالديون، ومنظمة الأمم للتربية التي تفرض بعض الثقافات على الأخرى بطرق مباشرة وغير مباشرة، والمنظمة الدولية للاجئين، وآخرها منظمة الطفولة التي لا تحفل بما يحدث لأطفال فلسطين وقانا. ويلزمنا ملاحظة تثير استغرابنا وتتعلق بتوقيت تأسيس هذه المنظمة قبل الاحتلال البغيض لفلسطين بنحو سنتين، وكأن الأمر قد دبر بليل، وأن التأسيس كان بقصد التصدي لنتائج ما قد يحدث من احتجاجات في المستقبل في البلاد العربية والإسلامية، بعد إعلان احتلال فلسطين، وبهذا تصبح المنظمة ربقاً تربط به جميع أعناق الدول لإخضاعها للمحادثات والمداولات، وما يحدث أثناء الاحتلال من نزوح وتهجير للفلسطينيين اللاجئين إلى الدول المجاورة والاستعداد لتهجيرهم مسبقاً، وما الأممالمتحدة إلا الغطاء الخبيث لإخفاء الغاية والجريمة المقصودة التي سيقدم عليها العالم، ولإضفاء شرعية دولية على الجرائم التي سترتكب في حق الشعب العربي الفلسطيني والدول المجاورة في ما بعد، بتعاون مع بعض دول العالم، وباتباع المخططات القديمة الخبيثة لتفريق القضية على أمم العالم لتتفرق الآراء فيها لإهدار الوقت، ولتكتسب مع الزمن شرعية إجرامية في حق الشعوب الضعيفة والغافلة التي لا حول لها ولا قوة. وتتحكم في هذه المنظمة الدولة صاحبة حق النقض- من بين 5 دول أخرى تتمتع بالحق نفسه- فتتصدى لجميع الحقوق العادلة للعالم العربي والإسلامي، وتفرض عليه جميع القرارات غير المنصفة، وتملي عليه جميع الشروط المجحفة، ويرغم على تسديد جميع التزاماته بالقوة، على عكس الذين يمتلكون زمام الأمور في الأممالمتحدة، ويمتلكون حق النقض، وفرض كل ما يشاءون بما في ذلك عدم التزامهم بتسديد المستحق عليهم إلى الأممالمتحدة، بل ويسخرون من أي متقاعس عن تنفيذ قرارات الأممالمتحدة، أما هم فلا تسري عليهم تلك القرارات! وبعد أن تكشفت حقيقة الأمور للعالم بشكل عام، وللدول العربية والإسلامية بشكل خاص، ما الفائدة من الارتباط بميثاق الأممالمتحدة الذي يكيل بمكيالين، ويعجز عن الإنصاف الذي أسست الأممالمتحدة من أجله ? كما يقال - وما دام الأمر للقوي، فلماذا تسلم هذه الدول رقابها لقوي لا يعدل ولا ينصف، بل يجور ويمكر ويتكبر على العالم الضعيف، ويمسك به ويضعه في قفص الأممالمتحدة ليتفرج العالم أجمع على بطش القوي، وذل الضعيف؟ إنني أتساءل: ما الداعي للبقاء تحت راية منظمة الأمم العاجزة عن القيام بتنفيذ قراراتها المنصفة، والرضوخ إلى قرارات مجحفة؟ إن السكوت والبقاء على هذه الحال ما هو إلا قبول بالدونية والهوان، واستمرار في إذلال الشعوب العربية والإسلامية، واستمراء لما تسومنا به الأممالمتحدة التي لم نشاهد منها سوى عدم إنصاف العرب والمسلمين في شكل متواصل والاستسلام لأعداء الأمة منذ تأسيسها إلى اليوم، لذلك فإنني أدعو جميع المثقفين وشعوب العالم العربي والإسلامي إلى مطالبة قادتهم بالانسحاب من الأممالمتحدة، وتكوين منظمة دولية عادلة جديدة ومنصفة لجميع شعوب العالم، تستقي أهدافها من الدين الإسلامي القويم، ومن جميع الشرائع السماوية والأنظمة الأرضية العادلة، لتصنع نظاماً يحفظ للبشر كرامتهم وإنسانيتهم وعدم امتهانهم على يد منظمة الأممالمتحدة غير المنصفة التي تنصر القوي وتتجاهل الضعيف، والدليل - على ذلك - منح حق النقض"الفيتو"لدول بعينها، والاستمرار في ذلك، مع أن الأجدر هو التناوب في منح هذه الصفة كرمز تقديري للدولة الأكثر عدلاً وإنصافاً في العالم. إن الإبقاء على هذا الوضع ما هو إلا تكريس للظلم والجور، لإذلال شعوب الأرض. إنني أتساءل: ما الذي فعلته الأممالمتحدة بالنسبة لنا منذ إنشائها سوى تكريس المشكلات والحدود المفخخة في الوطن العربي والعالم الإسلامي، ومساندة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، والتظاهر بمساعدة اللاجئين النازحين عن أوطانهم ليكفوا ويصمتوا عن المطالبة بحق العودة إلى أرضهم المحتلة؟ ولنسأل أنفسنا، لماذا أبقت على قضية كشمير من دون حل طوال هذه السنين، بينما سعت لانفصال تيمور الشرقية عن اندونيسيا خلال شهور؟ والأمثلة تتوالى على اختلافها في فلسطين والعراق ولبنان والسودان وأفغانستان. لذلك، اكرر دعوتي بالانسحاب من هذه المنظمة الظالمة وغير المنصفة بسبب استمرار أنظمتها الجائرة، والموضوعة بناء على مقاصد مسبقة لقهر العالم العربي والإسلامي، ومنع انطلاقتهما الحضارية، والسماح للهيمنة الصهيونية للتحكم في مقدرات العالم، وتسليم قيادة الأمم لقوى تخرق السلام والأمن الدوليين، وتقف حائلاً أمام تحقيق العدل، الذي هو قوام البقاء بسلام على وجه الأرض، وفق ما جاءت به جميع الشرائع السماوية. علي الحبردي - كاتب سعودي [email protected]