بات الأمر في لبنان معروفاً وليس في حاجة إلى قراءة متعمقة لفهمه، أو ادعاء باكتشاف خبايا لم يلتفت إليها أحد من قبل، فالحرب التي أسفرت عن وجهها الحقيقي، ليست إسلامية أو أممية، كما يتوهم ويدعي حزب الله، وزعيمه" الحنجوري"حسن نصر الله. كما أنها أيضاً ليست عربية سوى في جنسيات الضحايا، مشهد لبنان تكرر كثيراً، ونموذج"حسن نصر الله"يبدو أن بعض الجغرافيات العربية، مع الأسف، لا تقوى إلا على تصديره وتقديمه كزعيم شعبي، السيناريو نفسه يتكرر في منطقتنا منذ فترة الخمسينات الميلادية، حينما كان يخرج علينا أحدهم متأثراً بجيفارا ولينين وغاندي، لينادي بصوت جهوري، تردده وتنقل صداه إذاعات، لديها القدرة الفنية والتقنية على إيصاله لأقصى بقعة في عقولنا. ليقول عبارات شهيرة. نسيناها، مع الأسف، ونحن نقرأ أحداث العراقولبنان وغيرها. وبحماس منقطع النظير، سنرمي إسرائيل ومن وراء إسرائيل إلى البحر، سنقذف بهم إلى الجحيم، عبارات وجمل كانت تلهب خيال بعض الجماهير العربية البؤساء الذين يحلمون بالانتصار حتى ولو كان صوتياً فقط، حتى ولو كانت نتائج هذه الجمل والخطب الرنانة، هي مقتل المئات بل الألوف من البسطاء، حتى ولو كان قائلها غير قادر على حماية البقعة التي يقف فيها، فكيف لفاقد الشيء أن يعطيه، كيف لفاقد الأمان أن يوفره لملايين من شعبه وشعوب المنطقة. كيف لمختبئ أن يدافع ويبني ويحمي النماذج والسيناريوهات نفسها لا تزال تتكرر بين فترة وأخرى. وما زالت بعض الجماهير العربية تبدو وكأنها تبحث عمن يخدعها. لتقنع نفسها بأسلوب أو بآخر أن هذا القادم هو المخلص، وهو سفينة نوح التي ستنقذهم من الغرق، ومازالت الجماهير نفسها ترفع صورة"صدام حسين"وتقدمه على أنه القومي العربي الغيور، ولم تفكر اليد التي رفعت صورته، والحنجرة التي تحمست لوجوده ونصرته، كم طفلاً وكم أسرة قتل في الكويت، وكم قتل في العراق، وحينما كان يحاول البعض منا في المنتديات السياسية أو العربية أن يقدم الصورة الحقيقية لما يحدث، وبشيء من الشفافية، كنا نستمع إلى تعليقات مغلفة بكثير من الحقد من بعض الأشقاء تقول من هذا القادم على ناقة أو جمل ليعلمنا السياسة، وكنا دائماً نمتص هذا الغضب، ونتعامل معه بشيء من عدم الاهتمام، على رغم أن هؤلاء لم يسألوا أنفسهم يوماً، لماذا نعيش نحن في رفاهية، قياساً بأوضاع غيرنا من الأشقاء العرب، لم يسألوا أنفسهم عن السبب في عدم وجود هذه الرفاهية في دول بترولية أخرى افريقية عربية أقل عدداً وأكثر بعداً عن المناطق المتوترة في الخليج، أليس في ذلك إجابة واضحة عن السؤال السابق، أليس ذلك دليلاً على الازدواجية التي لا يزال يعيشها البعض، في التفكير والمنهج، أليس في تأييد حزب كحزب الله، أو زعيم كصدام حسين، شيء من التغييب لواقع يؤكد دموية هذا التأييد، إننا ، ومع الأسف، نجهل إلى متى سنظل ندفع الثمن، وسيظل الدم العربي رهيناً بمغامرات بعض المتضخمين والنرجسيين، وإلى متى سنظل نرى ونقرأ مشاهد لجثث أطفال ونساء وشيوخ وشباب محترقة، يدفعون ثمن زعامات ورقية كهفية، وإلى متى سنظل نلهب أكفنا حماساً وتشجيعاً لهذا القتل والدمار، ومتى سيتم التعامل مع نصر الله وأمثاله على أنهم مجرد مرتزقة، يشعلون نيران الحرب من أجل غيرهم، مساكين هؤلاء، لأنهم ربما يكونوا أنفسهم غير مدركين لهذه الحقيقة، كما أنهم غير مدركين حقيقة أن المواطن السعودي أو الخليجي بشكل عام، هو الأقدر على فهمهم والأكثر تأثراً بأوضاعهم، وأنه هو الذي يصاب بالسهر والحمى إذا ما شاكت طفل في المغرب شوكة، أو قتل طفل في فلسطين أو لبنان أو العراق، وأنه لا يزال الأكثر قدرة على التسامح، ومازالت حكومتنا هي الأقرب إلى أي هم عربي. ربما كَمُن الاختلاف فقط في أن قادتنا لا يميلون إلى المزايدات. أو النرجسيات، ولا يفضلون أن يقدمهم إعلامهم على أنهم آلهة، وأنهم مخلصون وما سواها من أوهام تجلب على شعوبهم الكثير من الويلات، ليتنا نعيد قراءة وضعنا من جديد لنستفيد من هذه التجارب التي مرت على منطقتنا. وليت النموذج السياسي السعودي يتم التعامل معه إعلامياً على أنه الأفضل والأنسب والأحق بالريادة الآن، حتى الأحق بتقديم الدروس لمن لا يزال يظن أننا قادمون بحلولنا على ظهر ناقة أو جمل. [email protected]