القاص صلاح القرشي، أحد أبرز الأسماء الجديدة التي تكتب القصة وفقاً إلى حساسية جديدة، وإلى منظور قصصي مختلف، عما دأبت الأجيال السابقة على مراكمته من تجارب قصصية. وتنطلق قصص القرشي وبعض مجايليه، من لحظة زمنية تتميز بأمور عدة، منها انفتاحها على فضاء واسع تحكمه وسائل اتصال حديثة، كالانترنت، إلى جانب البعد الإنساني في معاينة الحدث القصصي، الذي لا يخضع إلى معايير محددة. هنا حوار مع القرشي، حول تجربته، وحول جيله وما يتميز به من جماليات. إلى أي حد تعتقد أن جيلك استطاع أن يؤسس لنفسه ملامح جمالية خاصة، وما في رأيك هذه الجماليات؟ - إلى حد بعيد، ربما لأن قدر هذا الجيل هو أن يواكب ثورة هائلة في الاتصال، وأقصد هنا تحديداً"الانترنت"وما يعنيه هذا من فضاء حر ينعكس حتماً على الأدب. أما الجماليات فأجد صعوبة في تحديدها، ولكن أهمها تلك النظرة الإنسانية، غير المنغلقة إقليمياً أو فكرياً، وهناك شيء آخر مهم وهو أن هذا الجيل غير مؤدلج ولا تحكمه أحلام طوبائية كبرى. ولعل أبرز الملامح تكمن في أن الأدب الآن يعنى بالعادي والبسيط والإنساني من دون أن يدعي أنه يحمل رسالة خلاص من أي نوع. كل جيل يحاول أن يضيف جديداً على أكثر من صعيد، انطلاقاً مما حققه الجيل الذي قبله، هل ترى أنه من السهل تجاوز ما رسخه الجيل السابق عليكم من جماليات، وكيف تتعاطى مع النتاج الأدبي لذلك الجيل، وهل ترى أن فيه ما يستحق إعادة القراءة؟ - لا أؤمن بصراع الأجيال ولا أراه حتمياً, بل أرى أن من الصعوبة بمكان تحديد جيل معين بشكل موضوعي، ذلك أن الدوائر تتداخل, وعلى مستوى القصة والرواية أعتقد أننا نرتكب غروراً هائلاً لو أدعينا أننا تجاوزنا إبداعات رائعة للقصيبي وجارالله الحميد وجبير المليحان وعبده خال وفهد العتيق وغيرهم, أما كيف أتعاطى مع النتاج الأدبي لذلك الجيل؟ أتعاطى معه بحب شديد، ذلك أن الكتابة الجيدة لا تسقط بالتقادم والأدب الجميل لا يحمل تاريخ صلاحية، وهناك الكثير من الأعمال التي حتما تستحق قراءة متكررة. على رغم اشتغال جيلك ومحاولاتكم في الحضور، سواء من خلال المتابعة والقراءة أو المشاركة في الأنشطة المنبرية، إلا أن صوتكم لا يزال خافتاً، ترى ما الذي ينقص جيلكم ليأخذ موقعه على الساحة الثقافية؟ - ينقصه الوقت فقط، وهناك الكثير من الأسماء ستأخذ موقعها حتماً، والمشكلة في نظري تكمن في إدارة الثقافة لدينا، ذلك أن المؤسسات الثقافية بعيدة تماماً عن متابعة ما يجد في الساحة الأدبية، كما أن الاهتمام النقدي بالأعمال الجديدة يعاني من هزال شديد، ربما بسبب أن نقادنا الكبار توقفوا عن القراءة! ماذا تقرأ وما طبيعة الكتب التي تطالعها باستمرار؟ - بين يدي الآن رواية"بدايات"لأمين معلوف، أما كتبي المحببة دائماً فتدور في فلك الرواية أو القصة القصيرة، كما أنني أحب التاريخ كثيراً... وأطالع بعض الكتب الفكرية والسياسية. مَنْ الكتّاب، محليين أو عرباً أو عالميين، تشعر بوشيجة ما معه، إلى حد ملاحقة إصداراته كتاباً كتاباً؟ - قرأت لمعظم الأسماء المعروفة محلياً وعربياً وعالمياً"المترجم طبعاً"، وعلى المستوى المحلي أحب قصص فهد العتيق القصيرة، وأحببت روايته"كائن مؤجل"، وأحب جارالله الحميد وجبير المليحان وعبده خال في قصصه القصيرة، وفي بعض رواياته، وأحببت عصفورية القصيبي، وتفاعلت مع شقة الحرية كعمل محلي أحدث صدمة مفيدة.. ومن أسماء هذا الجيل أعجبت ب"ميمونة"لمحمود تراوري، وكذلك"الحفائر تتنفس"لعبدالله التعزي، كما أنني شديد الإعجاب بعبدالواحد الأنصاري وأمل الفاران وغيرهما طبعاً، أما عربياً فأعتقد أن"العراب"نجيب محفوظ لا يزال يغرد خارج السرب على مستوى الرواية، كما أنني شديد الإعجاب بزكريا تامر، وإبراهيم الكوني، وأمين معلوف واسيني الأعرج وغيرهم، وعالمياً هناك ماركيز، وكونديرا، وجوزيه سارماغو، وكويتزي وأسماء أخرى كثيرة. هل هناك فنيات معينة أو تقنيات بعينها تحب استخدامها؟ - من الصعب تحديد أشياء بعينها، ربما هذه يلاحظها القارئ, لكنني أميل إلى تخليص القصة من"الشعرنة"التي جعلت كثيراً من القصص القصيرة تبدو أشبه برسائل أو خواطر، أميل إلى العفوية والاختزال الشديد, وأعتقد أن الزوائد الكلامية في القصص القصيرة مضرة جداً. هل تكتب انطلاقاً من تصور فلسفي أو تأملي ما؟ - أنطلق من تصور إنساني، وأعتقد أن الأدب العظيم هو الأدب القريب من الإنسان بكل نوازعه وأحلامه وإحباطاته. وأي تصور فلسفي أو إيديولوجي يحاول تطويع النص وقيادته سيؤدي إلى فشل ذريع ومباشرة فجة، لأن الجمال يكمن في العفوية والبساطة والصدق، بشرط أن تكون الموهبة هي من يقود هذه الأشياء جميعاً.