استضافت "الحياة" في مكتبها في الرياض مجموعة من الشعراء وكتّاب القصة السعوديين، حضروا للمشاركة في مهرجان الجنادرية، وحول مائدة مستطيلة جرى حديث - ندوة حول بعض قضايا الأدب السعودي المعاصر، مسألة التعريف وتواصل الأجيال ومصادر الثقافة والعلاقة مع العرب والعالم، ومسائل الكتابة الحديثة شعراً وقصة ورواية. قدمنا أمس حلقة أولى وهنا حلقة ثانية وأخيرة: فلنبق في مجال القصة والرواية: حدثت في المملكة طفرة مميزة في كتابة القصة القصيرة ثم انحسرت مع اخلاء المكان لمصلحة الرواية وان كانت هذه الرواية تتسم بالواقعية كمنهج. هل الدواعي موجودة في فن القصة القصيرة نفسه كأنه لم يعد يؤدي شيئاً. إذ انحسر في دول اخرى ايضا. هل هذه الدواعي موجودة في الاعلام، تفاعل الاعلام مع القصة القصيرة في المتغير الاجتماعي، هل هي موجودة في الحساسية الاجتماعية، حساسية القراء، مرآة المجتمع تغيرت؟ لنناقش هذا الموضوع. محمد الدميني: قد لا أوافق على صيغة السؤال بأن هناك خفوتاً للقصة القصيرة وصعوداً للرواية. أولاً، ما كتب من روايات لدينا حتى الآن لا يزال كمّا قليلاً بالمقاييس الادبية المعروفة . فكتابة ثلاث او اربع روايات مثلا خلال 3 أو 5 سنوات لا تشكل قفزة نوعية في كتابة السرد. لا زلت أرى ان القصة القصيرة تشكل جانباً مهما في مهمتنا الابداعية واعتقد انها لم تستنفد اغراضها بعد. القصة الحديثة التي تعكس المتغيرات الاجتماعية والاسلوبية والمتغيرات في الجوانب الفنية والجمالية نعتقد انها لا تزال قليلة وان هناك عطاء متواصلاً، لا تمر سنة إلا وتنشر مجموعات قصصية، سنة 1997 كانت عاما حافلا بمجموعات قصصية متتالية، الأفق الروائي ما زال مطروحاً ويطرح منذ فترات طويلة، منذ بداية الثمانينات، لا يوجد رواية؟ لا يوجد أدب روائي؟ هناك اسئلة تطرح وتناقش في المنتديات وفي اللقاءات الشخصية... الخ. لكن مسألة الرواية لا تطرح كرغبات ذاتية وفردية، هناك اسئلة كبرى ينبغي ان تناقش قبل خوض الرواية او اثناء خوضها. فالرواية ينبغي ان تعكس المتغير الاجتماعي في اشكاله والوانه وظلاله. لا يكفي للرواية ان تقتصر على سرد الوقائع الشخصية لفرد او لصاحب تجربة سياسية او غيرها. هذا لا يكفي لصنع رواية إذ ينبغي ان تمس وقائع تحرك المجتمع وتطرح اسئلة تمس جوانب حساسة. لا بد ان تخوض الرواية هذه الاسئلة وتعبر عنها وتستنبطها لكي نتحدث عن افق روائي. وما قرأته حتى الآن لا يصل بهذه الرسالة الى مبلغها. واعتقد ان اغلب كتاب القصة القصيرة بدأوا مشروعات روائية. مثلاً. الاستاذ حسين منذ سنوات اكثر من عشر سنوات وهو يكتب. ويبدو انه كتبها كمخطوطات ولم تنفذ. لماذا كتبها ولم ينشرها؟ - فهد العتيق: من أهم سلبيات الملاحق الأدبية في صحافتنا طبعاً لها ايجابيات الضغط على الكتاب بشكل متسرع وانفعالي. منذ عشرين عاماً والصحافة تسأل: أين الرواية؟ وهو سؤال لا أظن ان الصحافة أو الملاحق الأدبية السعودية تستطيع الإجابة عنه، وأظن ان هناك الكثير من الكتاب الذين يحاولون كتابة الرواية من أجل الإجابة عن السؤال الذي استمر لأكثر من عقدين. وفي الغالب هي تجارب لم تأت من تراكم كتابية حقيقية بقدر ما هي انفعالات أدبية تحاول ان تبحث عن الأسئلة الملحة التي طرحت بعد الطفرة الاقتصادية التي عاشها المجتمع السعودي وايضاً بعد حرب الخليج الثانية. أيضاً طرح السؤال مرة ثانية: أين الرواية في الوقت الذي كانت تطبع فيه الكثير من الروايات في السبعينات والثمانينات وايضاً التسعينات من دون ذكر اسماء لا زالت الرواية المحلية متواصلة منذ ثلاثين عاماً، ولكن، أظن انها في حاجة الى وقت، لأسباب كثيرة أولها اجتماعي. - محمد الألمعي: هناك نقطتان أحاول ان اختصرهما. أولاً: السرد عندنا في السعودية كان في الدرجة الثانية أو محيداً الى حد كبير في الثمانينات، وكان بلا تاريخ اسود كما يقال في المواجهة. لم تتم المواجهة مع كتاب القصة كما تمت مع الشعراء أصلاً، كأن حساسية الذائقة العامة تجاه مسألة الشعر والتجديد فيه كانت أعلى بكثير. لم يكن السرد بلا تاريخ في المواجهة تماماً، انما مثلاً عبده خال كان يُرفض كصحافي وليس كقاص في حين اننا كنا نُرفض كشعراء. بعد سنة 1990 انهارت كمية من الشعارات كأنما البعض يحاول ان يستيعد انفاسه، يلحق بهذه الفرصة قبل ان يستعيد الآخر المطروح هناك أنفاسه. ولهذا ظهر لدينا هذا الكم من الروايات ابتداء من روايات يكتبها أشخاص لهم نفوذهم الاكاديمي وحتى السياسي الى حد كبير ولكنهم كانوا صامتين. قمنا نستجمع أنفسنا في مرحلة التسعينات فكأنما نستغل غفوة بعض الظروف التي كانت تمنع ظهور الرواية، أو كأنما هي أرشيفنا المؤجل لهذه اللحظة فليخرج هذا الأرشيف. والكل يرى انه ما رواية من التي ظهرت في التسعينات ليست أرشيفاً. لا ادري هل ظهر عمل وقيل انه ابن لحظة التسعينات؟ اشك في ذلك. - يوسف المحيميد: اشير الى الاخ حسين بالنسبة الى الذائقة... فأنا لم اقصد الذائقة وانما أريد ان اضيف الحساسية الفنية في كتابة النص الابداعي. بالنسبة الى القصة القصيرة لم تنحسر على الاقل عام 1997 لانه صدر لدينا في الداخل اكثر من عشر مجموعات في مقابل أعمال روائية قليلة. ولكن يبدو من الخارج ان هناك اعمالاً روائية تصدر من المملكة العربية السعودية بسبب ندرة الرواية. لذلك فإن صدور عمل او عملين من الرواية يحقق حضورا نقديا ومتابعة صحافية اكثر مما للقصة القصيرة. بالنسبة الى الرواية اشير الى امكانية ان يكون هناك استثمار للبعد الحياتي او للسيرة الذاتية. اعتقد ليس هناك اشكال في ان يستثمر الكاتب البعد الحياتي او سيرته الذاتية في مقابل ان يمتلك رؤية ما تجاه ذاته وتجاه العالم وان يمتلك بعداً فلسفياً ما. على سبيل المثال كلنا قرأنا هنري ميلر، يكتب او يستثمر حياته الشخصية ولكن في بُعد ورؤية متمكنة ومتسائلة بشكل صارم. ليس استثمار السيرة الذاتية بقدر ما هو ادراك الابعاد الفنية. والرؤى هي التي تخلق من هذه السيرة أو من هذا الجانب الحياتي عملاً أو نصاً ابداعياً متميزاً. عبده خال: أتصور أن القصة القصيرة لم تنحسر فمعظم كتاب القصة القصيرة لا زالوا يكتبونها ولم تأت الرواية الا من اثنين أو ثلاثة من كتاب القصة القصيرة. كتبها شاعر وناقد، وأثني على إشارة محمد الألمعي الى الوضع الإجتماعي الصدئ الذي لقيته هذه الروايات. كتابة الرواية كانت تواجهها صعوبات كثيرة، من الصعوبات أن تكتب سيرة حياة كاملة وبالتالي تحتاج للجو الصحي لكي تكتب في فترات كثيرة كانت مشكلة الكاتب مع المجتمع نفسه، كيف يكتب سيرة مجتمع فيه كثير من التحفظ، فيه كثير من الحساسية الشديدة لكتابة الرواية، وأتصور هذا سبباً رئيسياً لتأخر كتابة الرواية أو عدم إقدام كتاب القصة على كتابة الرواية. لكل منا في حياته رواية. عدم وجود التسامح مع الراوي لأن يتحدث عن أشياء حميمة في المجتمع أخر ظهور الرواية، عندما بدأ المجتمع يعي دور الراوي أو يتسامح معه بعض الشيء، بدأت المحاولات لكتابة الرواية. أعرف أن هناك من يكتب رواية ولكنه يؤجل كثيراً صدورها يتحين الفرص لكي يجد أيضاً هذا التسامح، أعتقد أنه في السنوات المقبلة سوف تنحسر القصة وسوف تكون الزعامة للرواية لأنها تحقق المطلب الداخلي للفنان لكي يقدم عالمه الذي يشعر به. وحول الأرشيفية فللأسف الشديد مشكلتنا انه إذا صدرت رواية تتناقل أخبارها بالسمع، ولأكن أنا مثالاً، روايتي "الموت يمر من هنا" لم تقرأ، وقدمت عنها دراسة نقدية في نادي الرياض الأدبي حضرها 26 أديبا قاصا وروائيا وناقدا كلهم لم يقرأوها ، ونوقشت على رغم عدم القراءة، ويقولون لو كتبتم مثل هذا أو هذا. مشكلتنا أيضاً أننا لا نتعرف على ما يكتب في الداخل، أتحدى أن يقال عن روايتي أنها أرشيفية، وعن ثلاثية تركي الحمد العدامة، الشميسي، الكارتينا أنها أرشيفية، صحيح انها تتحدث عن فترة تاريخية معينة لكن هذه الفترة أراد أن يكتبها فنياً بهذا الشكل، هم يتحدثون عن الشكل الأدبي للرواية، عفواً، أقصد أن لكل عمل دلالاته، له اسقاطاته حتى لو تحدث عن فترة زمنية محددة. - حسين علي حسين: في البداية، أريد أن أتكلم عن القصة القصيرة لأنها للأسف منحوسة عند القراء وعند دور النشر ، أي ناشر تقول له عندي مجموعة قصصية يجيب بأن القصص القصيرة لا تقرأ، لماذا ؟ هذا سؤال عويص وربما هو أساس رغبة الكثيرين بكتابة الرواية. أكتب القصة القصيرة وأحبها على رغم انني قارئ مداوم للروايات وأقرأها باستمرار، لكنني أفضل القصة القصيرة لسبب بسيط هو أنها تتلاءم مع ميلي الى "الكسل"، أستطيع ان أراجع القصة مرات وأنقحها وأصلحها مثل القصيدة. الرواية كما تفضل الاخوان أمام مأزق بغض النظر عن كونها أرشيفية أو غير أرشيفية. فالأرشفة ليست عيباً، المهم توظيف الأرشفة. في المملكة الرواية موجودة من سنوات. ابراهيم الناصر كتب روايات كثيرة جداً، وعبدالله الجفري كتب روايات وقصصاً قصيرة على رغم انه من الجيل الذي قبلنا تقريباً، والرواية عندنا تواجه ايضاً عقبة الرقيب والرقيب منا نحن. تخيلوا أنني كتبت قصة من سنوات ووضعت اسماً كيفما اتفق، فوجئت باتصالات تليفونية تقول يا أخي أنت تعرضت لنا فحذفت الأسم كله، هذه من ضمن العوائق التي لا يستطيع الواحد ان يتطرق اليها بحرية، فالرقيب منا نحن، والرقابة ليست من وزارة الاعلام، الرقابة اجتماعية تجعل كثيراً من الروائيين يكتبون روايات ويخزنونها على أمل ان ينشروها في الخارج. ولو باختصار، كيف ترون ملابسات وحضور المجتمع والمكان السعوديين في السرد الدرامي سواء كان نصاً له طابع درامي أو رواية، بما في ذلك نصوص المقيمين في السعودية، الموظف العربي، العامل الاجنبي، وما شابه؟ - محمد الألمعي: كإشكال نظري، في أي مجتمع مثل مجتمعنا النظام الأبوي متكامل وقوي جداً ومسيطر، من الصعب ان تولد فيه أصلاً نصوصاً سردية ملتبسة بالحال الاجتماعية والتاريخية بشكل صارخ إلا في حالات استثنائية، كأن يكون السارد من خارج المجتمع. ولا بد من الملاحظة، ان بلدنا السعودية بالذات، ربما من أكثر البلدان التي كتب عنها الروائي العربي، جاء اليها موظفاً أو مدرساً أو عاملاً، وفي ذهني روايات كثيرة لنا عليها ما لا ينتهي من الملاحظات والتحفظات، روايات لإبراهم عبدالمجيد وابراهيم نصرالله ويحيى بخلف وسحر خليفة. هذا يدل على ان هناك شرطاً يجب ان يظهر لدى الكاتب ليستطيع ان يلمس حالاً روائية داخل المجتمع وهو الشرط الذي وجد عند هؤلاء الذين جاؤوا إلينا، شرط الاستقلالية. ان عدم الانتماء الى النظام الاجتماعي أو الاستقلال عنه نظرياً هو شكل من أشكال الحماية للكاتب، هذا العنصر الذي تكلم عنه الاستاذ حسين، عنصر مغاير للرقابة. ليست الرقابة المباشرة انما حال حضارية لم نبلغها. الرواية هي صوت المدينة، والمدينة عندنا لم تتكون بعد، وهناك شرط للتمدن في موقعك التاريخي والاجتماعي والطبقي، من أي زاوية تستطيع ان تتناول، أي تكوين اجتماعي يفرزك من خارج البنية لتتحدث عنها باستقلال وانتماء في الوقت ذاته، وان تستوعبك هي كحضور ثقافي فاعل، كما تستوعبها أنت ذوقياً وأخلاقياً. الأشكال مرحلة لا بد ان نمر بها، لا بد ان نعبرها، هي المرحلة من الحرج التي أحس بها محمد حسين هيكل وجعلته لا يضع اسمه على روايته. وتعليقاً على الأرشفة أنا أقصد مصطلحاً من الأرشيفية ولا أقصدها بمعناها الكامل كما الأمر عند صنع الله إبراهيم مثلاً، وإنما أقصد شكلاً من أشكال الاستعادة الذي يحدث مع البعض حين يصدر روايات في التسعينات ويقول انها كانت مشروعاً مؤجلاً لم يستطع إنجازه إلا في التسعينات، لماذا أجله؟ أقول أن هناك حالاً من الارتباك في المقاييس السابقة للرواية ولم توجد مقاييس جديدة. فهد العتيق: تكلم الزملاء على أنه لا توجد روايات محلية، بالعكس هناك روايات تصدر وصدرت في السبعينات والثمانينات والآن التسعينات وهي موجودة ، لكن أظن أن هناك سكوتاً عن نقاط مهمة في الرواية التي نبحث عنها وهذه الرواية تحتاج الى بعض الوقت لعدة اعتبارات أولاً: التجربة الأدبية الحديثة لم تكمل عقدين من الزمن وكانت مغامرتها الأولى في اللغة وربما بدأت تدخل الآن مغامرة أخرى مع المضمون، وربما بعد تراكم التجربة مع المضمون أو الموضوع يفرز هذا إمكانيات ظهور رواية حقيقية، الآن بعد التسعينات، بدأنا نقرأ مجموعات قصصية تخلت عن مغامرة اللغة ونستطيع أن نقول أنها قبضت على لغتها الخاصة بعد تجربة طويلة مضنية، فالقصة القصيرة المحلية، في كثير من نماذجها، دخلت منذ بداية الثمانينات في مغامرة قوية وجادة مع اللغة، من اجل القبض على لغة قوية وجيدة ومن اجل ان يجد الكاتب القاص لغته الخاصة، وهذا ما جعل الكثير يصم هذه القصة بالغموض، صحيح ان المغامرة مع اللغة جعلت حضور الأمكنة والشخوص والاحداث اقل اشراقاً او اقل سطوعاً، لكن الامكنة والشخوص بهمومها النفسية والاجتماعية بالاضافة الى احداث القصة التي تشي بعمق المضامين - في الغالب - كانت واضحة وجليّة لمن يقرأ النص قراءة جادة. هذه المغامرة الجادة مع اللغة افادت القاص أيضاً وجعلته يدخل الآن في مغامرة اخرى مع المضمون وهو يملك ادوات فنية جيدة ومتمكنة بالاضافة الى تجربة اللغة القوية. ولا اظن ان اللغة يمكن ان تكون شماعة يعلّق عليها كتّاب القصة اخطاءهم، كما ان الكتّاب لا يمكن ان يخطئوا - اذا كانت هناك اخطاء - دفعة واحدة، المسألة بكل بساطة ان كتّاب القصة بعد موجات الكلام الطويل عن الغموض والحداثة وما بعد الحداثة الى آخره، وجدوا انفسهم الآن، اواخر التسعينات، يبحثون عن أناهم الموضوعية، عن ذواتهم وعن اسئلتهم الاجتماعية وسط ركام هائل من لغة وأسئلة العقود الماضية التي كانت مركّزة على شكل النص في الغالب، بالاضافة الى بحث الكاتب الدائب والدائم عن مغامرات جديدة تحرك ركود النص، لهذا فهو يريد الدخول مع المضامين الانسانية والاجتماعية في مواجهة او مغامرة قوية لن تكون اقل قوة من مغامرته السابقة مع اللغة التي افادته كثيرا على المستوى الفني. وأظن أن الرواية الحقيقية التي لم نتحدث عن ما نريد منها بالضبط، سوف تخرج على أيدي كتاب القصة القصيرة الحديثة، أيضاً تجربة القصة القصيرة مع اللغة هي التي أخرت ظهور المكان وتفاعلها الإيجابي بشكل اجتماعي جيد. المكان مثلاً لم يكن واضح الملامح، الشخصيات لم تكن واضحة، العلاقة بين الكاتب والواقع لم تكن واضحة أيضاً وأظنها بدأت تتضح الآن في نصوص قصصية سوف تخدم الرواية. حسين علي حسين: في المملكة، مرت الرواية في مراحل كثيرة، قلما كتب عن البترول، عن الطفرة التي حصلت وعن الأيدي العاملة العربية والاجنبية، لم يتناول أحد هذه المواضيع، الذين تناولوها كتاب وكاتبات مروا من هنا، بعضهم سنوات وبعضها شهوراً، بعض رواياتهم جميل وبعضها الآخر سيئ، ومنها ما يظهر المواطن السعودي بمظهر لا أدري كيف يكتب عنه، وانا استغرب ذلك. بعض الكتاب صور حال العمالة والمقيمين في المملكة ونال من انسان هذا البلد، مثلما في رواية "البلدة الأخرى" لإبراهيم عبدالمجيد، النص عادي جداً ولكن هلل له بطريقة فجة لسبب بسيط انه يظهر المواطن السعودي كإنسان خامل لا يفهم شيئاً. ابراهيم عبدالمجيد له روايات جميلة، له ان يتكلم عن أي شيء ولكن ان لا ينال من انسان هذا البلد. لماذا لم يكتب سعودي عن احدى تلك النقاط؟ لأن الكتاب في اغلبيتهم عندهم نظرة فوقية، وبعضهم ليست عنده الروح الاجتماعية التي تدعه يدخل بين العمالة. ولسبب ان العمالة غير السعودية لها عالمها الخاص ومنكفئة على نفسها، لا يقدر ان يكتب عنهم أو يصورهم إلا واحد منهم، هذا من الأسباب، وانا هنا لا أبرئ الكاتب السعودي من هذا القصور. محمد الدميني: بالنسبة الى حضور المكان في السرد، أعتقد أن الإنسان والمكان حضرا الى حد كبير في القصة القصيرة على نحو خاص، هناك قدر من التشخيص يعكس الواقع وحياة الناس اليومية، عاداتهم، أزياءهم، إشكالاتهم الإجتماعية التي يواجهونها. أعتقد أن كل هذا برز في القصة القصيرة ، وأعتقد أن كتابات حسين علي حسين وعبدالعزيز مشري وجارالله الحميد وصالح الأشقر وسعد الدوسري وغيرهم عكست الى حد كبير ملامح الإنسان والأزمات التي يمر فيها. هناك صورة من صور الإنسان في النص القصصي، يبقى هناك جوانب لا يمكن للكاتب أن يخوض فيها، الحساسيات الإجتماعية، إلى جانب الحساسيات الدينية أحياناً وعدم التسامح الإجتماعي، وهي تحتاج الى مزيد من الوقت في التربية والتعليم كي تتفتت هذه الحواجز بين الناس، الأمر الآخر هو الحاجز التاريخي بين الرجل والمرأة، لا يمكن لأي كتابة أن لا تعاني من هذه الأزمة وهي موجودة في كل كتاباتنا، وهذه أزمة بنيوية في نصوصنا. هذه التفرقة الصارمة بين الرجل والمرأة وحياتهما تعكس جملة من الإلتواءات والإختلالات تنعكس في نصوصنا، ولو درست لكشف جانب منها، هذا جانب أساسي من الأزمة يجب أن يناقش وهذا اشكال لا نستطيع تجاوزه في الكتابة. في نظري اذا لم يستطع النص السردي أن يقدم حتى الان الملامح النفسية والإنسانية لإنسان البلد بحكم الحواجز التي ذكرتها، ولم يستطع ان يستنبطها بشكل كامل. فيتعذر تناول الشخصيات الغريبة الموجودة في مجتمعنا. الحديث عن هذه الشخصيات يمر عبر البوابات التي أشرنا اليها، ومنها ما له أحياناً علاقة بوضعية العامل القانونية، فوضعية العامل لدينا ليست طبيعية كوضعية الأجنبي في مصر. وما يتعلق بحواجز اللغة وحواجز العزلة التي وجد فيها الأجانب أنفسهم واستمرأوها. عبده خال : المشهد الروائي يحتاج الى تراكم تجارب عدة، تحتاج الى نضوج عند الكاتب لكي يعي المتغيرات التي حدثت. مررنا بتغيرات جذرية قلبت المجتمع رأساً على عقب. هذه تحتاج الى وقت حتى تستوعب المتغير الاجتماعي الذي حدث. لذلك ظل كثير من الكتابات الروائية مؤجلاً: كما أن الكاتب الروائي إذا كتب سنجده يستند الى الطفولة، والراوي يعود عادة الى مخزنه الاول وهو طفولته الأولى التي تمثل له البعد الذي يستطيع ان يراه بوضوح. يستطيع ان يكتب عنها بحميمية يلتصق بها. هناك فترات تاريخية بالنسبة للمجتمع لم تكتب بعد. تركي الحمد مثلاً كتب عن شيء في روايته كان مسكوتاً عنه. ولهذا استأثرت روايته بالاهتمام. كلما استطاع الكاتب ان يبتعد زمنياً عن ما يحدث يستطيع أن يجمع الخيوط بعضها ببعض لكي يكتب روايته. إضافة إلى ذلك هناك سبب، مرتبط أيضاً بالراوي، فالتوثيق لفترات زمنية معينة يحتاجه الراوي لكتاباته، ومهما تغيرت اشكال الكتابة داخل الكتابة لا بد ان يستند الكاتب الى إرث مجتمعه لكي يستطيع ان يقدم الملامح المكانية والشخوص. في فترة معينة، شغف القاص بالتجريب، فالكتابة عن المجتمع او عن المكان بالتحديد كانت تعتبر عند المتلقي قصة تقليدية وبالتالي لا بد ان تكتب القصة الحديثة التي تغيب ايضا الشخوص وتختفي خلف اللغة وتصبح اللغة هي البطل، اضافة الى ذلك عبرنا طفرة عنيفة غيرت الكثير في مجتمعنا. جزء من الطفرة أدى الى تهديم المكان وعدم بقائه في مخيلة المتلقي. عندما يكتب نجيب محفوظ عن زقاق المدق، فإنه ما زال حاضراً وماثلا في ذهن المتلقي. المكان عندنا غائب، تهدم مع العمران. هناك أمكنة في جدة مثلاً ليست موجودة الآن. تسامح المجتمع هو النقطة الاساسية. ولا بد أن يكون المجتمع منّي حتى اكتب عنه. يقبلني المجتمع كصديق اقدم مشاكله، احزانه، لكن، تجد نفسك في مجتمع مغلق يسمح لك ان تمارس معه إذا اغلق الباب ما تشاء كأصدقاء لكن لا تكتب ما تراه فيما المفروض أن تقدم الحقيقة التي تراها. - يوسف المحيميد: لم نصل بعد الى تشخيص حال المجتمع وكشف سلبياته ونقائصه لكي نتجه الى الكتابة عن الاجانب والآخرين الذين يأتون الى هذه البلاد. وهناك نقطة اخرى مهمة: اعتقد ان آباءنا واجدادنا عاشوا نفس هذه المرحلة. فكثير من اجدادنا سافر الى البصرة وبغداد وفلسطين وقام بأعمال بسيطة ووضيعة. لو كان هناك تاريخ مكتوب لحياتهم هناك أو أتى منا من له قدرة على الاستفادة شفهيا من هذا التاريخ لاستطعنا ان نكتب اعمالا كثيرة. القضية ليست فقط في الموضوعات، هي في كيفية استثمار هذه الموضوعات عبر رؤية فنية متميزة، ورؤية عميقة الى الذات والى الكائنات، الأشياء ، الآلة... هذا ما نعتقده. بالنسبة الى هذه النصوص هناك تجربة معروفة لدينا وهي تجربة اميمة الخميس التي كتبت عن عاملات وخادمات. نقطة أخيرة حول اللغة. نحن نحاول ان نبحث عن مشجب لنعلق عليه أخطاءنا. كلما فشلنا في مرحلة كتابية معينة، بحثنا عن مبرر لهذا الفشل. وعينا وفهمنا للغة لم يزل للأسف ناقصاً وغير حقيقي. اللغة ليست مفردات قاموسية، وليست جملاً غير مترابطة وغير مفهومة كما كتبت في السبعينات والثمانينات في القصة القصيرة. اللغة هي علائق جديدة بين المفردات، وهي بناء فني للنص السردي. اعتقد ان البناء الفني ومعمار النص الروائي من الاشياء المهمة التي تتكئ ايضا على اللغة.