من المعقول أن نكرم من يستحق التكريم وهو على قيد الحياة، فهذا أهم من تكريمه بعد انتقاله إلى جوار ربه. ومع ذلك، لا يزال حشد من المتقاعدين ممن أفنوا زهرة شبابهم في خدمة الآخرين سنين عدداً يلاقون عنت وتعسف أفراد أسرهم، حتى غدا بعضهم غريباً عنهم، ولا يكفيهم هذا فهناك بعض الجهات الخدمية التي تعذبهم، بينما من المفروض أن توفر لهم الراحة والطمأنينة والسكينة. وهكذا يتحالف الجميع ضدهم بما في ذلك صروف الدهر وعاديات الزمان وذل المرض والحاجة والعجز، على رغم التوجيه النبوي الكريم"ليس منا من لا يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا". ومن تلك العقبات التي تواجههم وتحط من قدرهم، على سبيل المثال لا الحصر، إهمالهم وهجرهم، فعندما يريد المتقاعد الحصول على قرض، لا أحد يقرضه عدا المصرف الوحيد المخصص لاستلام راتبه، أما إذا طلبه من مصرف إسلامي فلا يستجاب له، بل لا يجده، وإذا طلبه من مصرف ربوي فبربح يصل إلى 35 في المئة، فليس أمامه سوى التورط، فإذا ذهب لتوقيع الصفقة وصادف عدم تطابق توقيعه الحالي مع التوقيع السابق الموثق في بطاقة المصرف، يطلبون منه عمل ختم ووضع بصمة الإبهام اليسرى وإحضار شخصين يعرّفانه لدى الموظف وهو حي ماثل أمام أعينهم وبين يديه بطاقة أحوال غير مزورة وغير قابلة للتزوير وفيها صورة مطابقة له. وعند استلام"شيك"كتب عليه لا يصرف إلا للمستفيد الأول أو تحرير"شيك" للغير يحدث الأمر نفسه من دون أي اعتبار لضعف النظر وتلف الأعصاب، وعندما يستعين بأحد لسحب مبلغ من اجهزة الصرف الآلي يفاجأ بمن يسرقه. وعندما يريد المتقاعد استخراج رخصة قيادة لسائق خاص، نطلب منه تعبئة نموذج تعريفي به والتصديق على صحة المعلومات الواردة في النموذج من جهة حكومية، فإذا لم يستطع ولن يستطيع فعليه ملاحقة عمدة الحي ليضع ختمه المحترم، ثم يتم تصديق بطاقة الطلب من الشرطة التي يتبع لها ذلك العمدة على صحة توقيعه وختمه، أما إذا كانت صاحبة الطلب أنثى فحدث ولا حرج، لأنهم سيسألونها من البداية:"عندك محرم؟". وإذا طلب المتقاعد برقياً من وزير العمل تأشيرة سائق أو عاملة إضافية لحالته الصحية التي تتطلب التردد أحياناً بشكل يومي على المستشفيات، لا يلبى طلبه بينما ينال آخرون من المتاجرين بالتأشيرات بلا حد ولا عدد، ومن ورائهم سماسرة يبيعون ويشترون في أصحاب الحاجة من دون هوادة ولا رحمة، على ما في ذلك من إفرازات سلبية لا داعي لذكرها، لأن الدولة تقاومها بكل ما أوتيت من قوة للقضاء عليها. لا أدري إلى متى نستمر في مثل هذه الإجراءات الروتينية التي عفا عليها الزمن ونحن نسير نحو الحكومة الإلكترونية والتي يقال عنها حكومة بلا ورق. عدنان كيفي [email protected]