ليالي الصيف الوقت المفضل لالتقاء القلوب في السعودية، فالآلاف من الشبان والفتيات حددوا إحداها موعداً لإعلان دخولهم"عش الزوجية"... هكذا تبدو الصورة للقادم إلى بلاد الحرمين حالياً. معظم قاعات الأفراح وكذلك الصالات في الفنادق مشغولة طوال الصيف بحفلات الزفاف، مكائن المطابع هي الأخرى لا تسأم، فهي تصدر الملايين من رقاع الدعوة خلال هذه الفترة. ما ان تنتهي إجازة الصيف، حتى تختفي هذه المظاهر، وتصبح القاعات التي ظلت عامرة طوال 90 يوماً شبه مهجورة طوال السنة، نظراً لقلة حفلات الزفاف التي تقام خارج هذا الفصل الحار. ربط مواعيد حفلات الزفاف بالصيف لم يُعرف في السعودية إلا منذ نحو ثلاثة عقود، وكانت قبل ذلك تقام في مواعيد مختلفة من السنة كما تؤكد أم تركي 62 عاماً. وترى هذه السيدة أن الزواج في الصيف"بدعة مستحدثة"، فرضتها التغيرات التي طرأت على المجتمع بعد الطفرة النفطية الأولى التي شهدتها البلاد في نهاية السبعينات من القرن الماضي،"إذ تبع ذلك هجرة بعض أفراد العائلات إلى المدن الكبرى بحثاً عن العمل، ما دعا الكثير منها إلى تأجيل مواعيد حفلات زفافها إلى الإجازات الصيفية، حتى يستطيع أقارب الشاب والفتاة حضورها". ثلاثة أشهر لا تكفي لتجهيز عروس! وتعتقد أم تركي أن هناك سبباً آخر يقف خلف انتشار هذه الظاهرة، وهو أن الفتاة المقدمة على الزواج الآن تحتاج شهوراً لتستعد لليلة العمر،"إذ تقضي وقتاً طويلاً في شراء الملابس وتفصيلها، إلى جانب الكماليات الأخرى، ومنهن من لا يجدن حرجاً في زيارة المدن المشهورة بأسواقها، سواء داخل السعودية أو خارجها لهذه الغاية". وتعزو هذه السيدة الستينية تصرفات الفتيات على هذا النحو إلى كون معظمهن تستغني عن أغراضها كافة التي كانت تستخدمها قبل الزواج، سواء كانت ملابس أو عطورات وحتى أدوات المكياج والزينة. ويعلل صالح الحارثي 26 عاماً سبب تحديده موعد زفافه في الصيف المقبل، بقوله:"أقربائي - كما هي حال كثير من الناس ? ليس لديهم ارتباطات في هذا الوقت تمنعهم من حضور الزفاف، خصوصاً أن أبناءهم من الطلاب في إجازة". ولا ينفي الحارثي أنه أراد إقامة حفلة الزفاف خلال عيد الأضحى الماضي إلا أنه لم ينجح"لأنني أبلغت خطيبتي بهذه الرغبة، فرفضت بحجة ضيق الوقت، علماً أنه تبقى على حلول الموعد الذي أردت نحو ثلاثة أشهر"! ولعل أكثر من يلاحظ تمسك معظم السعوديين بالصيف موعداً لحفلات زفافهم، هم العاملون في المطابع، ومنهم مسؤول إحداها صالح العشال الذي أكد ل"الحياة"، أن متوسط الطلبات التي تصلهم في الصيف لطباعة بطاقات دعوة لحفلات الزواج هي 25 طلباً يومياً، بعكس فصول السنة الأخرى،"إذ تمر ثلاثة أيام أحياناً من دون أن يأتينا طلب واحد". 35 مطبعة في الرياض تنقش الفرح على الورق ويتابع العسال:"يتراوح عدد بطاقات الدعوة التي يطلبها الزبون الواحد بين 600 إلى 1500 بطاقة"، مشيراً إلى أن الأسعار تحدد على حسب النوعية، وتبدأ من نصف ريال إلى 40 ريالاً، موضحاً أن هناك 35 مطبعة في الرياض وحدها تعمل في هذا المجال. ويعتبر مدير إحدى قاعات الزواج في الرياض ويدعى محمد سيد، فصل الصيف فترة تعويض للخسائر التي تلحق بهم طوال أيام السنة الأخرى،"والتي لا تستأجر فيها قاعاتنا لفترة طويلة تصل إلى أكثر من شهر أحياناً". وكشف أن هناك 63 حفلة زفاف ستقام في القاعة التي يديرها خلال الصيف المقبل فقط، والرقم مرشح للزيادة، مضيفاً أن"إيجار الليلة الواحدة يبلغ 32 ألف ريال، باستثناء ليلتي الخميس والجمعة إذ يرتفع إلى 37 ألف ريال". ولا يعتبر سيد سعر الإيجار لديهم مرتفعاً، نظراً إلى الخدمات التي يقدمونها، مشيراً إلى قاعات أخرى يزيد إيجار الليلة فيها عن 150 ألف ريال،"وعلى رغم هذا تشهد إقبالاً كبيراً".