على غير ما يشتهي دعاة تأميم الوطن وتذويبه في لجاج الأمة، كان وطننا ذائباً في وجدان الأغلبية الغالبة من أهله ومقيميه خلال الأسبوع الفائت ولا يزال. مناسبتان مهمتان أشعلتا لهيب الفرح والاحتفاء بالوطن، ولم نستطع معهما إلا أن نفتح السبيل لتدفق المشاعر، ليظهر لكل ذي بصيرة مدى عطشنا لأن يكون لنا وطننا الخاص، الوطن الذي نحبه ونفخر به ونحتفل برفع اسمه عالياً بكل زهو. المناسبة الأولى تمثلت في جولة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده على بعض مناطق الوطن وما لاح من مظاهر شعبية وطنية مصاحبة تعكس بوضوح صور التلاحم، والقيم الراسخة في عقول وقلوب الناس، فكان الولاء لقيادة المملكة العربية السعودية، وكان الاحترام للسلام الوطني للملكة العربية السعودية عندما يعزف في كل موقع يحل فيه الضيف الكبير، وكان الوطن السعودي فقط هو الحاضر في كل الأوبريتات والفنون الشعبية، وما صاحبها من مظاهر فرح وكلمات ترسخ الانتماء لهذه الأرض المباركة بكل اعتزاز. كل مشاريع الخير والنماء التي افتتحت أو أسست خلال الزيارة كانت للوطن ومواطنيه. المناسبة الأخرى هي مشاركة منتخبنا الوطني في نهائيات كأس العالم، إذ لاحظنا جميعاً هذا الشغف والتفاعل الشعبي العارم الذي يعم أرجاء الوطن مع المنتخب في مهمته الوطنية. كل فعاليات الوطن تتنافس في إظهار الدعم والمؤازرة... التجار والاقتصاديون والسياسيون وأهل الفكر والثقافة والإعلام والرياضيون والفنانون وكل أهل المهن والإبداع، أغنياء الوطن وفقراؤه، نساؤه ورجاله، شيوخه وشبانه، موظفون وعاطلون، مواطنون ومقيمون... كلهم تجتاحهم حمى حب الوطن والتغني به، ممثلاً في منتخب المملكة العربية السعودية. من يتابع وسائل الإعلام المحلية والعربية لا يخفى عليه الظهور السعودي الطاغي على ما عداه من خلال هاتين المناسبتين. لم نسمع أن أحداً أجبر المواطن البسيط على حمل صورة الملك أو رفع العلم، أو البقاء في منزله لمتابعة مباراة المنتخب، إنها مظاهر عفوية لا خداع فيها أو نفاق. إنها ظاهرة. ومن الطبيعي أن تكون ظاهرة عادية. لكن بعض الظروف جعلتها غير ذلك، فأين الخلل؟! عشق الوطن والهوس به حد البكاء والجنون هو ما يجب أن يكون لكل مجتمع سليم، لكن محاولة تغييب هذا الوطن ومسخه وجعله قطرة في بحر من جانب تيار طغى في غفلة من الزمن أوجد هذا العطش وهذا الجوع لأن نستعيد الوطن ونحتفي به ونحتفل، نفرح له ونبكي عليه، نفديه ونفتديه. ما أجمل أن يكون لك وطن وما أجمل أن يكون هذا الوطن هو المملكة العربية السعودية. وما أجمل هذه الحمّى التي تجتاح أوصالنا بحبه! * كاتب سعودي