دخلت نورة دار التربية الاجتماعية وهي في السادسة، لتجد عالماً مختلفاً تماماً عن المحيط الذي ولدت فيه، فالعطف والحنان والاهتمام فقدته من ذاكرتها، بسبب ما عانته من والدتها التي كانت تفرط في تعذيبها بشتى أنواع العذاب، فآثار السكين والمطرقة والعصا والحروق والرضوض والجروح ما زالت مرسومة على جسدها. وخرجت من الدار وهي في الحادية عشرة، ليتلقفها والدها الذي زوّجها من مسن، إلا أنها لم تتوافق معه، وبعد أعوام عدة طُلقت منه، لتعود إلى"يد الجلاد، التي كانت من المفترض أن تكون يد الأم الحنونة، التي تحتضن عذابات طفلتها، إلا أن هذا لم يكن". وتقول نورة، بعد أن ذرفت دموعاً أخرست الحضور عن المحادثات الجانبية:"لم تتغير على رغم المعاناة والسنين، فالسكين ذاتها، والمطرقة لم ينهكها الدهر، والنار لم تطفأ إلا في جسدي الذي يشتعل ألماً، فأنا لم أجد الحب والحياة إلا في دار التربية الاجتماعية التي أجدها أمي وأبي وأهلي وعالمي، والمحيط الخارجي جهنم، بل أشد". وتروي حكايتها مع الطلاق"حين رجعت أحسست بأني من غير المرغوب فيهن، إلا أنني لم أجد إلا منزل أهلي يؤويني، وكانت والدتي تسمح لي بالنوم في الحظيرة، حتى أنني ألتحف ملابسي العادية، لتدفئني في الشتاء القارص، فأنا والحيوان سواسية لا فرق بيننا سوى أن صاحبتنا هي أمي التي أنجبتني". الصمت أبلغ من الكلام أما ريم وهي المطلقة الثانية فلم تتحدث ، على رغم إلحاح الجميع وتشجيعه لها وإصرارهم على سماعها، إلا أنها لزمت الصمت، ربما لتعمل في المقولة"الصمت أبلغ من الكلام أحياناً"، إلا أن هذا الصمت تبدد حين سردت التميمي حكاية ريم"كانت ريم أماً على رغم صغر عمرها، فوالدها المدمن على المسكرات كان يتلذذ بضرب والدتها". وتنقل عن لسانها"حين كنا نضع أجسامنا الصغيرة لنتلقى عنها اللكمات والطعنات كنا نأخذ نصيباً كبيراً من العذاب، على رغم توسل والدتنا". خرجت ريم من المدرسة لتتفرغ لتربية أخوتها بعد انفصال والديها، إلا أن والدها الذي يعيش في حال هذيان مستمرة لم يكف عن إيذائها، فهي الآن في منزلة مطلقته، ولا بد من الضرب لإشباع ما في داخله من تسلط وجبروت، ولم يكتفِ الوالد بالعذاب اليومي المستمر، ففكر في دخل إضافي يوفر له كأساً، فلم يجد أمامه ما يستحق البيع، فوقعت عيناه على ابنته ريم، التي عرضها على رجل تزوجها، ليستولي الأب على المهر وتكاليف الزواج من أجل"المزاج"، بحسب ما كان يردد دائماً". وتضيف ريم"شعرت بأنني سلعة رخيصة، لكنني وافقت لآمن سخط والدي ولأهرب من جحيمه، لكن زواجي لم يدم طويلاً، لأنني لم أشعر بالراحة أبداً، للمعاملة القاسية التي لم تتركني حتى وأنا في بيت زوجي". وتوضح"كل شيء كنا نكرهه في طفولتنا وامتد معنا حتى كبرنا، لأننا غذينا الكره، وأطعمنا البغض، وشربنا الألم والمعاناة"، وقبل أن تنهي مداخلتها صمتت قليلاً، ليتسلل من الصمت صوت مدوٍ"أريد الاستقرار، فأنا لم أشعر به أبداً". وفي ورقتها طالبت التميمي الجهات المختصة ب"فرض عقوبات صارمة في حق الوالدين اللذين تثبت عليهما قطعاً تعذيب أو إيذاء أبنائهما، لكي لا تتكرر قصة الطفلة سميرة، التي لم تنه عامها التاسع حتى قتلت على يد والدها، بعد أن ضربها بقوة حتى كسر ضلوع القفص الصدري، مزقت بدورها الرئتين، لتصاب بنزيف داخلي أفقدها الحياة". وأشارت إلى أن"الدار كانت تتابع القضية منذ بدايتها، وكانت تحت إشرافها، وطالبت الجهات الأمنية بردع الأب أو معاقبته، لكن الإجابة تتكرر هو ولي أمرها، وبعد تنفيذ جريمته أنكر في البداية أنه السبب وافتعل قصة لم تتطابق مع قصة زوجته، وبعد الضغط والمساءلة ثبت قطعاً قيامه بهذه الجريمة". ونقلت قضية أخرى لم تقل ألماً عن قضية سميرة"ففي إحدى المدن دخلت سيدة السجن بعد قتلها ابن زوجها، حين أغلقت على رأسه باب الثلاجة بعد ضربه في صورة مكررة، إلا أنه وبعد إلقاء القبض عليها واعترافها بجرمها، قدم الزوج ووالد الطفل تنازلاً عن حقه في قتل ابنه"، وهذا ما آلم التميمي كثيراً. 718 فتاة هاربة خلال عام ونقلت إحصائية عن وزارة الداخلية، أشارت إلى أن"عدد حالات الهروب التي سجلت عام 1421ه بلغت أكثر من 718 حالة مسجلة، وعدد غير المسجلين ليس معلوماً". وروت حكاية فتاة في الخامسة عشرة من عمرها"انفصل والداها فأصبحت تسكن مع والدها، الذي لم تجد منه ما يشبع الفراغ الذي أحدثه الطلاق، فصارت تبحث عن العطف والحنان والاهتمام المفقود الذي وجدته في طريقة غير شرعية لدى شاب من حارتهم، إلا أن الوالد اكتشف العلاقة، فحضر وفي معيته رجال أمن، ليلقوا القبض على الشاب والفتاة، التي أودعت دار الرعاية. وبعد دخولها بفترة شعرت أنها في حالة نفسية سيئة، فهذا عالم آخر لم تعتد عليه، لتشعر بالضياع وعدم الحاجة للحياة، فأقدمت على الانتحار وهي لم تتجاوز حلم الفتاة". وطرحت التميمي إحصاءات منها أن"72 في المئة من أبناء الأسر المطلقة يعيشون مع الأب، بينما عشرة في المئة يعيشون مع الأم، و16 في المئة من الأبناء لا يرون آباءهم بعد الانفصال، بينما 35 في المئة يرون آباءهم"، وأشارت إلى أن"53 في المئة من الأبناء تأثروا في انفصال والديهم". وقالت:"إن الطلاق يؤثر في المصدر المالي للأسرة، ففي إحدى الجمعيات 245 مطلقة، ويصرف على المطلقات في المملكة بليون ومئة مليون ريال من طريق إعانات، ونسبة نزلاء دور الرعاية 14.165 نزيلة، تتقاضى الواحدة منهن نحو 7110 ريالات". وتناولت في نهاية ورقتها التجربة الماليزية"التي فرضت قانوناً إجبارياً لتأهيل المقبلين على الزواج، ولا يمكن لأي مخطوبين أن يرتبطا ما لم يقدما شهادة التوافق"، واقترحت أن"تطبق هذه التجربة في المملكة، للحد من ظاهرة الطلاق". وطالبت ب"إعادة نظام رؤية المفتي لقضايا الطلاق، مع وجود لجان نفسية متخصصة في المحاكم السعودية، حتى يتم التعامل مع قضايا الزواج من ناحية علمية نفسية متخصصة". تدخل الأسرة يؤدي إلى الطلاق وأشار عميد كلية الآداب في جامعة"الملك سعود"الدكتور سليمان العقيل من خلال قراءة تحليلية لدراسة ظاهرة الطلاق في المملكة، أن"أكبر نسبة في أسباب الطلاق ترجع إلى تدخل أم الزوجة وأهل الزوج، وبلغت 42.70 في المئة، من وجهة نظر المُطلقين والمُطلقات، الذين تقول نسبة 61 في المئة منهم أن السبب الرئيس في الطلاق هو التدخل الخارجي من الأهل". وأشار إلى أن"عدم رؤية الخطيبة قبل الزواج يؤدي إلى الطلاق، فيما يرى 58 في المئة من الموجهين والموجهات أن الطلاق يحدث لعدم التوافق الاجتماعي والثقافي"، مشيراً إلى أن"قضية انتشار الطلاق في المملكة ترجع إلى الهروب إلى الخارج من جانب السعوديين الراغبين في الزواج". وأوضح أن"نسب الطلاق في المملكة غير واضحة، وليست دقيقة، لأنها تتم من طريق مقارنة عقود الزواج مع صكوك الطلاق".