دول ومؤسسات دينية وخيرية ..."ضحايا بريئة"في كتاب السلومي { شهد تدشين كتاب"ضحايا بريئة"أخيراً في الرياض تظاهرة إسلامية مثيرة، اتسمت بنقد الغرب والتفاؤل وجلد الذات أيضاً. وبينما اختصر المؤلف كتابه بأنه"مرافعة قانونية تثبت براءة المؤسسات الخيرية بشهادات الخبراء في الغرب أنفسهم"، أيد رئيس شؤون الحرمين الشيخ صالح الحصين الكاتب في ما توصل إليه من حقائق اعتبرها"حقاً لا مرية فيه". وربط الحصين بين تحذير النبي أمته من الدجال وبين المؤثرات الراهنة في العقل الإسلامي، وألمح إلى أن دواعي التحذير من الدجال كانت لما يمثله من فتنة عظيمة بفعل إمكاناته في مجال القوة العسكرية الطاغية والهيمنة الإعلامية. ومن غير أن يصرح بأنه يعني تشبيه أميركا بالدجال لاتحاد الاثنين في بعض الصفات شدد على أن"الإعلام الغربي تفنن في قلب الحقائق وأثر حتى في المسلمين، وأصبح الإعلام المحلي للبلدان الإسلامية بدلاً من أن يدافع عن مقوماته شارك في محاربتها"على حد قوله. لكن الدكتور عبدالعزيز الثنيان الذي كان حاضراً المناسبة قال في ختامها عبر حديث جانبي:"إن خطيب جمعة في بيروت الأسبوع الماضي وافق الحصين في إطلاقه صفات الدجال على أميركا، إلا أن الحصين أمسك ولم يسم الجهة، أما الخطيب البيروتي فأعلنها صراحة". وفي جانب النقد الذاتي، حمل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله التركي على المؤسسات الإسلامية في تشتت جهودها وعدم التنسيق في ما بينها، معتبراً أن المؤسسات الخيرية"ليست مستهدفة وحده ا ولكن السعودية أيضاً كبلد مستهدف"، وباعتبارها الحصن الأخير للإسلام على الجميع أن يجعل الدفاع عنها في مقدمة اهتمامه. بالعودة إلى الكتاب فإنه كما يشير تقرير موجز عنه يعد امتداداً لكتاب"القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب"الذي تحدث عن المرحلة الأولى للحملة الأميركية الإعلامية ضد العمل الخيري الإسلامي، إذ يأتي كتاب ضحايا بريئة ليكمل الصورة بتناول مرحلة تاريخية جديدة لهذه الحملة، اتسمت بالمستجدات في الإجراءات الإدارية والعالية. ينطلق المؤلف من حيث انتهى كتابه الأول من عدم وجود تعريف للإرهاب حتى الآن ليثبت في كتابه الجديد من خلال آراء الساسة الغربيين أنه إذا كانت الحرب الباردة تعتبر حرباً ثالثة واضحة الأهداف والمعالم، فإن الحرب العالمية الرابعة حرب الإرهاب ليست كذلك، لأنها حرب هلامية لم تتحدد فيها حقيقة العدو، لكنها حرب خلفت أشلاء بريئة من الفقراء والأغنياء على حد سواء، فالقاسم المشترك بينهم هو الانتماء الديني والعمل الإنساني. يطرح الكاتب اصطلاح"ضحايا بريئة"قاصداً به المؤسسات والجمعيات الخيرية الإسلامية الاغاثية والتعليمية ببرامجها وأنشطتها وأموالها وبعض العاملين فيها، لتكون الضحايا الأكثر تضرراً بعد ذلك هي تلك الشعوب والأقليات الجائعة والمتعطشة للإغاثة من ملايين البشر التي تصارع الموت وتعاني من المرض، وتتجرع كل آثار الحروب والتشرد والاضطهاد، وليصبح العالم المتحضر أكثر سوءاً من قبل. يوضح الكاتب أن ذلك بدأ بشكل مبكر من خلال طرح الافتراءات والشكوك والشبهات تجاه المؤسسات الخيرية الإسلامية داخل وخارج أميركا، وذلك قبل أحداث 11 سبتمبر بسنوات، وإن كانت مسوغات قوة عولمة الحملة الأميركية جاءت بعد الأحداث، حيث الاتهامات ودعاوى التجميد والمصادرة والإغلاق تحت مسمى"الدعم المالي للإرهاب"والتي يعدها غطاء للاستراتيجية الجديدة التي تعتبر الإسلام ومؤسساته من فصيلة"المنافسين الجدد"متفقاً في ذلك مع رؤية"توفلر"عن منظومة المنافسين الجدد، وذلك لأن عنصري المنافسة والاستقلالية عن الحكومات متحققان بشكل كبير في المنظمات والجمعيات الخيرية الإسلامية، ولأنها - بحسب هذه الرؤية الجديدة - تعتبر خارج نطاق السيطرة كما تصنفها أميركا، ومن ثم فهي بأجندتها الأخلاقية الإسلامية واستقلاليتها المالية والفكرية تشكل عنصراً قوياً في ميدان المنافسة والندِّية للمتعصبين من الغرب أفراداً ومؤسسات ودولاً. ويخشى الكاتب من امتداد التعسف الظالم إلى أن تصنف بعض وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة ومواقع مستقلة في شبكات الإنترنت بل بعض المراكز العلمية والمناهج الفكرية حتى المؤسسات والمنظمات الدولية المستقلة ضمن قائمة المنافسين الجدد خوفاً من انتقال القوة أو السلطة لها، لأنها تتعارض مع سياسة المرحلة التاريخية الجديدة، ويدلل على ذلك بشواهد عدة منها أن: الحرب على الإرهاب أسفرت عن موجة من التغييرات ضمن الدول، إذ بدأت الواحدة تلو الأخرى في فرض إجراءات تشديدية جاءت على حساب الحريات المحدودة. ويبرز الكتاب حِرفية اختيار اتهام المنظمات بصلتها بالإرهاب، إذ من الصعب تخيل قضية يمكنها تقويض الثقة في العمل الخيري أكثر من الشك في صلتها بتمويل الإرهاب، وعلى ذلك قامت الولاياتالمتحدة الأميركية بالضغط على دول العالم لإلزام مصارفها بتجميد الأرصدة المشتبه في دعمها للإرهاب من دون سند قانوني أو يقين تام بانتماء هذه الأرصدة إلى جماعات إرهابية، وإنما الأمر مجرد اشتباه. وإزاء هذه القرارات أصبحت دول العالم أمام أمرين لا ثالث لهما: إما أن تحترم قوانينها الداخلية ونظامها القضائي ولا تجمد الأرصدة إلا بالرجوع إلى القواعد المتبعة في هذا المجال واحترام سرية العملاء، وإما أن تسارع إلى إرضاء أميركا وتضع نظامها المصرفي وسرية الحسابات بل نظامها القضائي وقوانينها الداخلية في متناول الأيدي الأميركية وتحت تصرفها. ويرى الكاتب بعد تحليلاته أن الدول التي سلكت المسلك الثاني هي الغالبية العظمى من دول العالم التي سارعت بمراجعة قوائم الأشخاص والمؤسسات التي أعلنت عنها الولاياتالمتحدة الأميركية، وتجميد الأموال التي تخص الأفراد والمؤسسات الواردة فيها من دون أن تبذل أي جهد لمراجعة واقع هذه المؤسسات أو الأفراد للتحقق من صدقية انتمائها أو مساعدتها للإرهاب"غير المعرَّف"من عدمه، ومن دون أن تدرس خطورة اتباعها لهذا المسلك على مناخ الاستثمار فيها، وعلى علاقة مصارفها مع العملاء بعد إهدار أهم الأعراف والقوانين المصرفية وهو سرية حسابات العملاء، ما حقق للإدارة الأميركية مراقبة كاملة للحركات المالية، إضافة إلى تحقيق الإفلاس المالي للمؤسسات الخيرية الإسلامية والانصراف عن مواقع العمل الإنساني والانشغال بالدفاع عن النفس. ومن النقاط الحيوية والتي سيلمسها القارئ في أكثر من موضع في هذا الكتاب هي"عملية الإحلال"من خلال تفريغ المجتمع من المنظمات الإسلامية وإحلالها بالمنظمات التنصيرية، فيكشف الكاتب عن محاولات التنصير في العراق، مع إشارات بليغة لما يحدث على الساحة هناك، عبَّر عنها المتحدث باسم الكنيسة المعمدانية الجنوبية والتي تعتبر أكبر كنيسة بروتستانتية أميركية ساندت الغزو على العراق بكل قوة، بعيداً من تقديم العون المادي للشعب العراقي، فإن القضية الأساس هي الوصول إلى الحرية الحقيقية مع يسوع المسيح. وترفع تلك المنظمات العاملة في العراق شعار"إنقاذ المسلمين من دينهم المزيف". كذلك استثمار الأزمات في العمليات التنصيرية والتي أطلق الكاتب عليها تعبير"الراقصون في الأزمات"فيشير إلى الإرساليات التنصيرية في أفريقيا والتي رفعت شعاراً يقول:"تخلوا عن دين الإسلام، وسنقوم نحن بتحريركم من الجوع والفقر والخوف والمرض"فضلاً عن استثمار كارثة تسوماني وأزمة دارفور التي ينقل الكاتب عن والي جنوب دارفور قوله:"إن الخطر الحقيقي ليس في التدخل الخارجي بالسلاح، ولكن في تغييب شبه كامل للمنظمات الإسلامية، والخطر الأكثر هو في تنصير مواطني دارفور الذين عُرِفوا بحبهم للقرآن"، وذلك من خلال 30 منظمة تنصيرية أوروبية وأميركية تعمل في دارفور. دعم جيوش الرحمة من البيت الأبيض وفي محاولة لتفسير تلازم التنصير مع الحرب العالمية على الإرهاب يذهب الكاتب إلى بوش الابن ليجده استحدث في البيت الأبيض وللمرة الأولى في تاريخ أميركا مكتباً يُعنى بالشؤون الدينية اسمه: مكتب البيت الأبيض للأديان والمبادرات الاجتماعية وبناء على طرح وزارة الخارجية الأميركية، فإن الرئيس الأميركي جورج بوش مهتم شخصياً وبصورة لم يسبق لها مثيل من رئيس أميركي بدعم المؤسسات الخيرية الكنسية داخل الولاياتالمتحدة الأميركية وخارجها، والتي يسميها بوش الابن باسم"جيوش الرحمة"اذ يرى الرئيس الأميركي أن هذه المؤسسات والجمعيات أهم بكثير من المؤسسات الخيرية العامة وجمعيات الضمان الاجتماعي، وعلى ذلك فقد طلب بوش الابن من وزارة العدل اتخاذ إجراءات كفيلة بصرف 3.7 بليون دولار من الأموال الفيديرالية لمساعدة الأنشطة الخيرية التي تقوم بها جمعيات دينية نصرانية، ودافع عن ذلك بقوله:"إن هذا البلد يجب ألا يخشى تأثير الإيمان على مستقبله، ينبغي أن نجد مجالاً للإيمان لنجعل من أميركا مكاناً أفضل". ومن هنا تم اختياره أكثر شخصية مسيحية مؤثرة لعام 2005. وهنا يلتقط الكاتب خيط ظاهرة التمييز السلبي بين المنظمات الإسلامية، اذ الإمكانيات المالية المحدودة وغيرها من المنظمات غير الإسلامية المصحوبة بالأموال الضخمة، فبحسب الجارديان أنه بينما تقابَل المنظمات الخيرية النصرانية والعلمانية بالثناء لإرسالها الأموال إلى أفغانستان، تُعامَل المنظمات الإسلامية كمشتبه بها في تمويل الإرهاب. ويلاحظ الكاتب أن تلك الدعاوى والمزاعم على المنظمات الخيرية الإسلامية أو الدول والمؤسسات المالية أو حتى الأفراد غالباً ما تقوم بسبب طمع بعض شركات المحاماة الأميركية التي تجوب العالم لاصطياد وتوظيف بعض الأخبار، ولا سيما في مجالات دعاوى التعويضات المالية المتوقعة عن أضرار 11 من سبتمبر، منتهزةً التوجهات السياسية الجديدة لأميركا. ويشير إلى أن أبرز الذين تصدروا للمرافعات في قضية تعويضات لوكربي هم من أوائل المحامين الذين قاموا بجولات عالمية لشراء بعض الأخبار عن المؤسسات الخيرية الإسلامية في أنحاء العالم وتوظيفها للقيام بعمل دعاوى تعويضات نيابة عن أهالي ضحايا ال11 من سبتمبر. والجانب الآخر في ضعف الدعاوى والمزاعم أنها تعتمد في معظمها على ما ينشر في وسائل الإعلام من دون وجود أدلة دامغة، في الوقت الذي تقوم فيه بعض المنظمات الغربية غير الإسلامية بدعم الإرهاب المحلي والعالمي وبصفة خاصة دعم الميليشيات العسكرية داخل الأراضي الأميركية وخارجها، مثلما حدث من مجلس الكنائس العالمي من دعم للمتمردين في جنوب السودان، وكذلك دعم الحركة الانفصالية في إقليم بيافرا النيجيري ذي الأغلبية المسلمة، إضافة إلى الدعم الأميركي والبريطاني للمنظمات الإرهابية الهندوسية التي تقوم بذبح المسلمين وحرق ممتلكاتهم بحسب خطط المنظمات الهندوسية، وعلى هذا المنوال يورد الكاتب العديد من صور دعم المنظمات الغربية للإرهاب.