عاد الحديث مجدداً عن علاقة الريال السعودي بالدولار الأميركي، وهي علاقة توصف بأنها"أزلية"صعوداً وارتفاعاً، من حيث سعر الصرف وأسعار الفائدة. وفي تحرك استباقي سريع نفى محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي ساما حمد السياري، رفع سعر صرف الريال السعودي في مقابل الدولار، وقال في تصريح إلى وكالة الأنباء السعودية:"لا يوجد لدى المؤسسة حالياً أي إجراء في هذا الاتجاه". مشدداً على أن سعر صرف الريال ثابت على ما هو عليه، ولا صحة لتلك التكهنات". وكان السياري يرد بقوة على أنباء سرت أمس حينما ارتفع الريال السعودي أمس 100 نقطة أمام الدولار الأميركي مدعوماً بتوقعات برفع إقليمي لقيم عملات بعد أن رفعت الكويت قيمة الدينار بنسبة 1 في المئة، وزاد الريال إلى 3.7414 ريال للدولار، مرتفعًا بنحو ربع في المئة ونحو 100 نقطة خلال بعد أن أغلق أول من أمس على 3.7503 ريال للدولار. ونقلت وكالة أنباء رويترز عن تاجر مقره الرياض، قوله:"بعد أن غيرت الكويت نطاق تدخلها بالنسبة إلى الدينار الكويتي زادت التكهنات بأنه سيكون هناك رفع إقليمي لقيم العملات أمام الدولار. وأضاف:"لا توجد أنباء رسمية، أنها مجرد تكهنات معظمها من لاعبين في الخارج."وقال الخبير الاقتصادي في"ستاندارد بنك"في لندن ستيفن بيلي سميث:"في ما يتعلق بالريال السعودي يأخذ المتعاملون في العقود الآجلة عند التسعير رفع القيمة في حسبانهم، وفرض تحرك الكويت ضغوطاً على ذلك الربط أيضاً، لكن الكويتيين لديهم نطاق، فيما الريال السعودي مرتبط بسعر ثابت." وباختصار، تتأثر إدارة السياسة النقدية في السعودية إلى حد كبير بنظام سعر الصرف الذي يسعى إلى المحافظة على سعر تعادل ثابت في مقابل الدولار، مع التحكم بالتغيرات في أسعار الصرف بحسب ما تقتضيه اعتبارات الأسعار المحلية، ولعل تجربة رفع قيمة الريال في السبعينات، واعتبارات ميزان المدفوعات في خفض قيمة الريال في الثمانينات على أكبر مثال على ذلك. وفي التسعينات ظل الريال مستقراً إلى حد ما، باستثناء فترات المضاربة المتقطعة في الأعوام 1993 و 1998 و1999، بسبب التضخم المنخفض وقوة الدولار. ويعتبر الدولار عملة تثبيت وعملة تدخل نظراً إلى هيمنة الدولار في تقويم مدفوعات ومتحصلات السعودية، وأكدت تجربة"ساما"نجاح عملية استهداف سعر صرف محدد، إلا أنه يترتب على ذلك تكاليف محددة، لأن سعر الصرف الثابت قد يتعرض لضغوط المضاربة على عكس استهداف التضخم أو الكتلة النقدية. ومن المنطقي الإشارة إلى إن تقويم تجربة أسعار الصرف الثابتة للريال السعودي ومبرر ربط العملة السعودية بالعملة الأميركية، أساسه نجاح التجربة منذ العام 1986، وهي لا تخرج عن هذه الأسباب الآتية: إن كل الصادرات ومعظم الواردات مقوَّمة بالدولار الأميركي، وأن الريال مغطى بالكامل باحتياطيات النقد الأجنبي، وتحتفظ مؤسسة باحتياطيات سائلة كافية لمواجهة المطالبات المحتملة على الاحتياطيات، وأن الاحتياطيات السعودية من النقد الأجنبي تكّونت من إيرادات النفط ودخْل الاستثمارات، وليس من الاقتراض القصير الأجل للنقد الأجنبي، وليس الريال عملة غير متوازنة من حيث سعري صرفه الاسمي والحقيقي، وأخيراً فإن استقرار سعر صرف الريال في مقابل الدولار يقلص المخاطر بشكل حاد بالنسبة إلى المستثمرين الأجانب. وفي شكل عام، فإن رفع قيمة سعر صرف الريال أو خفضها تتعلق أساساً بتدفقات النقد الأجنبي كما حدث في السبعينات، حينما تجاوزت الطاقة الاستيعابية للاقتصاد المحلي بما في ذلك تكاليف إنشاء تجهيزات البنية الأساسية المحلية، وانعكس مركز المالية العامة ووضع ميزان المدفوعات القويين في تحسن قيمة الريال السعودي تجاه الدولار. أما في التسعينات حينما انخفضت عوائد النفط، كان الحديث عن خفض سعر صرف الريال لزيادة الدخل. من الناحية الأخرى فإن المكاسب التي تحققت منذ ربط الريال بالدولار، حققت استقراراً واضحاً لأسعار الصرف وأسعار المواد والخدمات في الداخل، وعلى رغم توقع هبوط الدولار أكثر من مما هو حاصل اليوم وبتوقع يتراوح بين 18 و 25 في المئة، ومع ارتفاع أسعار النفط فإن ذلك وحتى الآن لا يعتبر سلبياً. الأمر الآخر وهو المهم، أن قرار فك الارتباط بالدولار، يحمِّل الاقتصادي السعودي كلفة عالية عبر عدم الاستقرار المتحقق، ولو مرحلياً، ما يجب معه عدم دفع هذه الكلفة عبر الإبقاء على هذا الارتباط. أخيراً، فإننا مقبلون على عملة خليجية موحدة بين 2007 و 2010 وعملات الدول الخليجية مرتبطة بالدولار، وأي تغيير أحادي ستكون كلفته محمَّلة على الاقتصاد السعودي فقط. يضاف إلى ذلك أن زيادة التبادل التجاري مع أي دولة يعني الشراكة معها، فالشركة التجارية مع الشركات الكبرى في الدول العظمى مثل الولاياتالمتحدة الأميركية يخدم الدولة المشاركة معها عبر توفير الاستقرار بتأثير مرتبط بمصالح الشركات. * كاتب اقتصادي+