لأنه عملة أكبر مصدر نفطي، فإن أي إشاعة بإعادة تقويمه سواءً بالخفض أم الرفع، خصوصاً أمام العملة العالمية"الدولار"، ربما تصيب الأسواق ب"نكسة"وسيركض وراءها مضاربو العملات! ولأنه كذلك، سارعت الرياض إلى حسم كل الإشاعات التي تسربت إلى الأسواق العالمية نتيجة ارتفاع قيمة صرفه، فلم تمض ساعات قليلة على تدفق التقارير والأنباء التي بثتها وكالات الأنباء العالمية، حول نوايا الحكومة السعودية اتخاذ قرار بشأن سعر صرف"الريال"في مقابل الدولار، حتى خرجت"سلطة المال"، لتعلن الموقف الرسمي وموقف مؤسسة النقد العربي السعودي ساما بوصفها المسؤول الأول عن تنفيذ السياسات النقدية. وبددت الرياض كل الأنباء والتقارير، مؤكدة حرص السعودية على استقرار سعر صرف عملتها، على خلفية سياسة نقدية لطالما وضعت الاستقرار طويل الأجل ل"الريال"منهجاً معلناً وصريحاً، باعتباره عامل ثقة لمؤسسات الأعمال المحلية والمستثمرين والحكومة على حدٍ سواء من أجل تخطيط الموازنات والاستثمارات. السعوديون عادوا مرة أخرى لتأكيد موقفهم"الثابت"، بأن ربط العملة السعودية والأميركية سيستمر تبعاً لجدوى هذا الارتباط وأهميته في السياسة النقدية، يعززه نجاح تجربة أسعار الصرف الثابتة للريال منذ عام 1986، باعتبارها أمراً"حتمياً"، لاعتبارات عدة، وهي: أن الصادرات والواردات السعودية مقومة بالدولار الأميركي، وأن الريال مغطى بالكامل باحتياطيات النقد الأجنبي، وتحتفظ"ساما"باحتياطيات سائلة كافية لمواجهة المطالبات المحتملة على الاحتياطيات، وأن الاحتياطيات من النقد الأجنبي تكّونت من إيرادات النفط ودخل الاستثمارات وليس من الاقتراض القصير الأجل للنقد الأجنبي، وأن الريال ليس عملة غير متوازنة من حيث سعري صرفه الاسمي والحقيقي، وأخيراً أن استقرار سعر صرف الريال في مقابل الدولار يقلص المخاطر بشكل حاد بالنسبة للمستثمرين الأجانب. مكاسب ربط الريال بالدولار، واضحة من خلال الاستقرار في أسعار الصرف وأسعار المواد والخدمات في السوق المحلية، عدا أن قرار فك الارتباط بالدولار، يحمل الاقتصاد السعود كلفة عالية عبر عدم الاستقرار المتحقق ولو مرحلياً، الأمر الذي يجب معه عدم دفع هذه الكلفة عبر الإبقاء على هذا الارتباط. ويؤكد السعوديون، أن استقرار عملتهم في الأجل الطويل، لطالما كان مريحاً جداً لمؤسسات الأعمال المحلية والمستثمرين والحكومة على حدٍ سواء من أجل تخطيط الموازنات والاستثمارات. وعلى رغم ذلك، فإن كثيراً منهم لا يزالون يناقشون، وبصوت مسموع، جدوى ربط عملتهم بالدولار. ولعله من المنطقي، الإشارة هنا مرة أخرى في هذا السياق، إلى أن ربط أي عملة محلية مع أي عملة عالمية، مثل ربط سعر صرف الريال بالدولار سلاح ذو حدين، ففي حال انخفاض الدولار يكون ذلك إيجابياً للسلع والخدمات السعودية المصدرة، بحيث تكون أرخص وتملك قوة تنافسية في حال التصدير، مثلما تصدره الشركات السعودية القائمة والمنتجة من سلع. وفي المقابل، فان التجارة مع غير منطقة الدولار، مثل منطقة"اليورو"أو"الين"وغيرهما تكون ذات كلفة عالية، إذ نستورد سلعاً غالية الثمن، مثل السيارات والأدوية وغيرها، فكأننا نستورد التضخم المضر بالاقتصاد. ومثل ذلك، في تسعير النفط بالدولار، ففي حال انخفاض الدولار يكون الأفضل من الناحية الاقتصادية النظرية البحتة تسعير النفط بسلة عملات متحركة مع إدارة يومية ومستمرة لهذه السلة من مؤسسة النقد العربي السعودي ووفق هامش محدد وتسمى سلة عملات غير قابلة للثقب، لأن انخفاض الدولار سيقابل بارتفاع"اليورو"في السلة، وهكذا في بقية العملات. هذا من الناحية النظرية، ولكن يبقى القرار غير اقتصادي بحت لأن له بعد سياسي يجب أن يحسب بعناية.