الإشكال القانوني والنظري في تعريف الإرهاب والموقف منه: على رغم أن الجميع متفقون على إدانة هذه الأفعال الإجرامية، نظرًا لبشاعة آثارها، وإلحاقها الضرر بمصالح المجتمعات الإنسانية، مما وفَّرَ الأساس الشرعي والقانوني للتجريم، ولأنها تستهدف أبرياء لا جريرة لهم، فتحولهم إلى ضحايا لجريمة ليسوا هم طرفًا فيها، فقد ألحق علماء الدين هذه الأفعال الإجرامية بأعمال البغاة الخارجين عن طاعة الإمام، المروعين للآمنين، المفسدين في الأرض. على رغم أن معظم دول العالم لا تزال غير مجمعة على التوصل إلى تعريف جامع مانع لهذه الجريمة يتم في ضوئه التحرك لمواجهتها بدافع تشريعي قانوني موضوعي ملزم وعام، وربما كان أحد أسباب ذلك هو الانطلاق من منطلقات فكرية قاصرة عن الإحاطة بجوانب هذه المشكلة، أو لأن من يدَّعون بأنهم يحاربونها يخشون من الضبط العالمي للسلوك الدولي لو تمَّ الاتفاق والإجماع، وسيكونون بالضرورة أول من تطبق عليهم الجزاءات، أو ربما أنَّ جهاتٍ معينةً تستفيد من هذه الممارسات الانحرافية، أو بدافع من الأسلوبٍٍ الانتقائيٍّ في إصدارالأحكام بما يتفق مع المصالح الشخصية أو الوطنية أو القومية، أو بتأثير ما يمليه الهوى والرؤى الذاتية. وتوجد للجريمة الإرهابية الكثير من التعاريف، وكل تعريف يعتمد على المصدر الذي يأتي به، وهذا من الأسباب الرئيسة للارتباك الذي يسود الساحة العلمية في الموقف من هذه الجرائم، محاولة البعض فرض تصوره على الآخرين، بل على العالم أجمع، خدمة لأغراضهم التوسعية، وأطماعهم الجديدة في بلاد المسلمين، وحسدًا من أنفسهم لما يكون عليه المسلم المتمسك بدينه، المبتعد من الرذائل والموبقات من صحة الاعتقاد، ونظافة وطهارة المظهر والمخبر، فما الذي يجعل بعض نصوص الشريعة إرهابًا، بينما أفعالهم الشيطانية الإجرامية في العراق وفلسطين حيادًا وموضوعيةً وديموقراطية وإصلاحًا؟! - صدَّر مؤلف كتاب: الإرهاب، الفهم المفروض للإرهاب المرفوض كتابه بتصوير واضحٍ للأزمة الحالية المتمثلة بعدم الاتفاق حول هذه الجريمة المستحدثة، وتلخيص ما أورده: أنه لا يوجد للإرهاب تعريف واحد متفق عليه بين المتخصصين من الناحية الاصطلاحية، والأسباب كما ذكرها ما يأتي: 1 اختلاف الآراء والاتجاهات بين مَنْ تناولوا هذا الموضوع . 2اختلاف الدول في موقفها من هذه الجرائم. 3 تداخل تعريف الإرهاب مع عدد من المفاهيم الأخرى القريبة منه في المعنى، كمفاهيم العنف السياسي أو الجريمة السياسية، أو الجريمة المنظمة. 4 أن مفهوم الإرهاب يثير لأول وهلة حكمًا: أي حكمًا معياريًا أخلاقيًا، وهذا من قبيل المصادرة على المطلوب، كما يُقال في المنطق، وهو من معوقات البحث العلمي الموضوعي الساعي إلى التحليل والتفسير. 5 مفهوم الإرهاب مفهوم متغير مكانيًا وزمانيًا وثقافيًا. انظر، الجحني، علي بن فايز، الإرهاب:الفهم المفروض للإرهاب المرفوض، الرياض: جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، 1421ه - 2001، ص14 ويرجع بعض التضارب في جانبٍ منه إلى التجاوز في التعميم بالخلط بين الإفساد المُرَوِّعِ، وبين الكفاح المشروع للشعوب والجماعات المقهورة، وكل ما يحاول به الإنسان الفرد أو الجماعة في شتى أشكال البُنَى والأنساقِ الاجتماعية دفعَ مظاهرالظلم والتعدي، ورفض الاستبداد الذي يتعارض مع حقوق الإنسان الأولية والفطرية، إلى جانب أن من أشكال الإرهاب والترويع ما يمارس من بعض الحكومات نحو شعوبها، أو فئات من هذه الشعوب، أو ما يسمى إرهاب الدولة، وهذا الأمر زاد المشكلة تعقيدًا في عملية إصدار الحكم على هذه السلوكيات العنيفة من الناحية الأخلاقية. الأصل في تجريم الأفعال الترويعية: 1 - الدليل الشرعي الذي يصنفها ضمن جريمة الحرابة والسعي في الإفساد في الأرض والخروج على إمام البيعة، وتجعل فاعليها يقعون تحت طائلة العقوبة التي قررتها الآية 33 من سورة المائدة، قال الله تعالى: }إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} المائدة: 33، وفي ذلك تفاصيل في كتب الفقه. انظر: قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم 148 وتاريخ 12/1/1409ه، الموافق 25/8/1988، 2 بيان هيئة كبار العلماء بالمملكة في الطائف في 14/2/1417ه، الموافق 30/6/1996. 3الاتفاق العربي لمكافحة الإرهاب الصادر عن مجلسي وزراء الداخلية والعدل العرب فى اجتماعهما المنعقد في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة 24/12/1418ه الموافق22/4/1998. 4 قرارات المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب المنعقد في الرياض 23 ذو الحجة 1425ه الموافق 3 شباط فبراير 2004. 2 - التخويف والترويع والأضرار النفسية والاجتماعية التي تلحقها هذه الأفعال الانحرافية بالأفراد والجماعات البشرية، وهذا من أهم مظاهر الإفساد في الأرض،لأن الإسلام دين السلام والمحبة والوئام ونشدان الخير للبشرية، دين بناء وإصلاح، دين دعوة إلى البناء والعطاء، ومنهج لنبذ العنف والإساءة إلى الآخرين. 3 - أشكال التدمير الذي تلحقه هذه الجرائم بالبنى الاجتماعية، وما ينتج عنه من خلخلة أسس المجتمع، وزعزعة الأمن، والأضرار المادية والخسائر البشرية التي تلحق بالأبرياء، ونشر الفتن والاضطرابات، وفي ذلك تعديات على حقوق الناس الآمنين وعلى الملكيات العامة التي تستخدمها السلطة الشرعية في تحقيق المصالح العامة. 4 - الضرر الواقع على الضرورات الخمس التي تتفق الشرائع السماوية، والقوانين الوضعية، والعقول السوية على حفظها، وتشدد الشريعة الإسلامية خصوصاً على ذلك، وهي حفظ الدين والنفس والمال والنسل والعقل، وما يكملها ويتعلق بها من الحاجيات والتحسينيات التي تحفظ المصالح وتنشر الحضارة والعمران. ومن السهل التدليل على تدمير الأفعال الإفسادية الترويعية لهذه الضرورات، فإن الواقع المعاش ينطق بذلك: - الإضرار بالدين من وجوه عدة: إزهاق النفس من دون وجه حق، وفي ذلك منع من العبادة وإقامة الشعائر ممن تسبب هؤلاء في وفاته بالعمل الإفسادي، وتدخل المفسدين بمشاغلة السلطات بمكافحة تلك الجماعات الترويعية، بدلاً من صرف جهودها في نشر العدل، وإكثار العمران ببناء المساجد ودور الدعوة إلى الله، إلى جانب أن هؤلاء الترويعيين يغرون أعداء الله المتربصين بالأمة الإسلامية بالتدخل في شؤونها الخاصة، وممارسة الضغوط على السلطات الشرعية، وتدخلها بالحجج الواهية والذرائع الباطلة لإفساد مناهج التعليم والتدخل في خصائص حياة الأمة المحمدية بذريعة الإصلاح والديموقراطية وغيرها. - قتل النفس البريئة التي حرمها الله إلا بالحق، وإزهاق أرواح الأبرياء سواء من هذه الجماعات أو من رجال الأمن. - أما مظاهر الإضرار بالمال والاقتصاد فهي عديدة ولا تقع تحت حصر، وهي أضرار مترابطة مع مظاهر الإفساد الأخرى على المستويين المحلي والدولي. - أما الإضرار بالنسل فإن غواية الأحداث والشباب من أبناء الأمة، وإغراءهم بإلحاق الضرر بأنفسهم وبمواطنيهم وببلادهم فيه انحراف بهم عن المنهج القويم، ومن ينحرف في بداية عمره يشكل عقبة في وجه الإصلاح بمتوسط 50 سنة، وهي متوسط سنوات العطاء والإنتاج في الإنسان، إلا من عصم الله وهدى. - ويكون إفساد العقل في مثل تلك الأفعال عن طريق التخويف والترويع ونشر الأمراض النفسية، وبث الإشاعات المغرضة المضللة للإدراك، المفسدة للتفكير السوي، وفي ذلك جناية كبرى على عقول الناس وأموالهم ودينهم وأساليب حياتهم، وتعطيل للطاقات الإبداعية التي ينبغي أن تستثمر في العمليات البنائية والإنتاجية، كما أن من نتائج هذه الأفعال تسميم الجو الاجتماعي، والتشكيك في كفاءة المؤسسات الأمنية، والانحراف بها عن الغاية التي من أجلها أنشئت، ومن الآثار التي تلحق الضرر بالعقل أيضًا فساد الأحكام، واضطراب المعايير الاجتماعية العامة التي عليها اجماع الشعب والقيادة، وظهور التناقض الثقافي الذي يفرز عدم التناغم، وسيطرة الجدل الذي يعكس العجب بالنفس، فتتولد الثقافات التي تهدف إلى إقصاء الآخر وإلغائه، وهنا تكمن بذور الخلاف الذي يضر بالأمن والسلم العام الضروريين للحياة الإنسانية الناجحة المثمرة. * باحث في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.