انتصب وسط صالة العرض ما يشبه صندوقاً صبغ من الخارج بلون أسود، وتقاسمت مساحة الجدران من الداخل قصاصات من صحف مختلفة، بعضها يعود إلى أكثر من خمس سنوات، نتف من أخبار محلية وعالمية تقاسمت المساحة من دون تنسيق واضح، أخبار عن"سرقات، قتل، مداهمة، جنود في حرب"، أراد الفنان التشكيلي عبدالعظيم الضامن أن"يجسد وفق مفهوم خاص ما يعتمل في نفسي من انفعالات"، ويوضح في معرضه الذي حمل اسم"الصندوق الأسود"الذي افتتح متزامناً مع أمسية الشاعر حسن السبع في الدمام الأسبوع الماضي، أنه"لا توجد لوحات بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل صحف جمعت في تشكيل يقدم تجربة فنية مغايرة". ويعتبر الضامن أن فكرة الصندوق الأسود"مثيرة، تبدأ بغموض وتنتهي بغموض، وفي كل حادثة طيران أو غيره تختفي الحقيقة بعد العثور على الصندوق الأسود، الذي يحوي كل المعلومات التي تقود إلى الحقيقة". ويجد هنا أن دوره كفنان"محاولة البحث عن الحقيقة في هذا الصندوق. ونفى الضامن تهمة نقل الفكرة عن فنانة اختارت منذ فترة اسماً مماثلاً لمعرضها:"لكل منا وجهة نظر مختلفة وأسلوب مغاير في التعبير، فهي لم تقصد الصندوق الأسود بمعناه الحقيقي، بل كان تعبيراً مجازياً". ليس مجرد صندوق عادي كالصناديق السوداء، البرتقالية اللون في حقيقتها والمدعمة بأشرطة لامعة للاستدلال عليها بعد الكوارث. بل هو فعلاً أسود اللون، في داخله مساحات من"ورق الجدران"الخاص، الذي عمل الضامن على جمعه من أخبار الصحف خلال السنوات الماضية، فأتى"كولاج"الأحداث هذا ليشكل له إيحاءات، ويوضح:"استوحيتها من الأحداث اليومية المؤلمة، وقدمتها في إيحاءات الوجوه العابسة بالألم"، وينفي الضامن، الذي اختار ارتداء ملابس سوداء، عن نفسه فكرة"القص واللصق"معتبراً أن ما قام به هو وسيلة تعبيرية"فالرسم لم يوجد لتزيين الشقق فقط". وقسم الضامن الأفكار في معرضه إلى ثلاث: أولها الفنان اللبناني مارسيل خليفة، الذي رسمه في لوحتين تبدوان متشابهتين ينبعث الحزن من عينيه، ويحتضن عوده، وتبدو صورته وكأنها مغلفة بضباب ما، وبين صورتيه سلسلة من ثماني لوحات، فيها الملامح الترابية لوجوه مستوحشة تخرج من خلف خامات شبكية، وحتى العيون سوداء بدرجة ليل حالك. وأول ما يتبادر إلى ذهن المشاهد هو لماذا مارسيل خليفة هنا؟ يجيب الضامن:"أعتبر مارسيل أكثر فنان يناضل من أجل السلام بآلة العود، وهي أداة بسيطة، فاستطاع أن يصل إلى العالم من خلال قلبه". ومن السلام الذي ينشده الضامن إلى المرأة في زاوية المعرض تصرخ وحيدة، حيث يرى الضامن من خلالها أن"الصرخة والألم المنبعثين من إمرأة يعبران عن الفكرة التي أريدها. وإلى جانب تلك السيدة ثلاث لوحات، اجتمعت لتشكل ما يعتبره جدارية تبدأ ولا تنتهي، لنساء شاحبات تتجسد خلفهن المدينة رافعات اكفهن إلى أعلى". أما الفكرة الثالثة التي خرج بها من صندوقه الأسود فهي الفضائيات، من خلال خمس محطات فضائية صورها على هيئة نساء. ويخلص الضامن إلى أن معرضه وإن كان فقيراً في اللوحات فهذا لأنه"يعتمد على المفهوم ومنه يبدأ المعرض، وليس على اللوحة المسندية التي ينتهي عندها".