لا يزال كتاب الناقد عبدالله الغذامي"النقد الثقافي"، يثير مزيداً من ردود الفعل حيال ما جاء في أطروحته الرئيسة، غير أن هذه الردود، سواء كانت إيجابية أو سلبية، تصب في مصلحة المؤلف، الذي آل على نفسه، إلا أن يخوض غمار الصعب، ويغامر في اتجاه الشائك والإشكالي في الثقافة العربية. وإذا كان البعض من خصوم الغذامي ينظر إلى هذا الشائك والإشكالي والصعب بصفته"مفرقعات"و"ألعاباً نارية"، تنطوي فاعلياتها في مقدار حجم الضجيج الصوتي الذي تحدثه، وبالتالي فإن الغذامي من وجهة نظر هؤلاء الخصوم ليس سوى"طفل بمخيلة شيطانية"، يجد متعة فائقة في تخريب النظام وصور الرموز التي تشكلت عبر عقود، لكنه في المنقلب الأخير يظل الغذامي من بين قلة من المثقفين، تقدر على رج الساكن والراكد في بركة الشأن الثقافي، سواء المحلي أو العربي. وآخر ردود الفعل على أطروحاته، ما أثاره الشاعر والمفكر أدونيس في أمسيته الشعرية الأسبوع الماضي، جاءت ضمن فاعليات معرض أبوظبي للكتاب، رداً على سؤال أحد الحضور حول ما طرحه الناقد الغذامي في شأن النزعة الفحولية في الشعر العربي، والنظر إلى أدونيس كواحد من رموز هذه النزعة، إذ قال أدونيس:"على رغم أني لم أقرأ ما كتبه الغذامي جيداً، لكني قرأت اتهاماته لي ولنزار قباني بالفحولة، واتهمنا بأن حداثتنا هي حداثة رجعية، وكان رأيه خاطئاً، لأن نقده يتحدث عن الإبداع بشكل سياسي سطحي". ومضى يقول:"إن الغذامي لا يزال يشتغل في الإطار التقليدي. الغذامي لا يميز بين الأنا الفردية والأنا التي لها بعد إنساني أو أنا إنسانية، وهو خلط أوقعه في مسألة النسق، ولهذا السبب أحس أن الغذامي إمام جامع وليس ناقداً". بعض المثقفين السعوديين، وعقب انتهاء الأمسية، تساءلوا في ما بينهم، إذا كان أدونيس قرأ كتاب"حكاية الحداثة"، الذي أخرج نقاداً معروفين مثل سعد البازعي وسعيد السريحي وآخرين، من حلبة النقد، ليأتي وينتقم لهم، عبر إخراج الغذامي نفسه من دائرة النقاد. من جهة أخرى، كانت الأمسية ممتعة وثرية، وجالت في جوانب من حياة أدونيس، الشاعر والمثقف والمفكر والجوال، ففيها قال عن دمشق"إنها مدينة نهايات، هي مدينة منتهية لا تحتاج إلا إلى تزيين لا أكثر". في ما يقول عن بيروت إنها مختلفة،"لأنها متعددة من حيث الأعراق، وبسبب انفتاحها على الآخر فهي لا يمكن أن تكتمل، في بيروت حركية صراعية، وهذا ما يجعلها مدينة مشروع، وهي لا تزال كذلك، وهذا ما يجعلها غير منتهية، بيروت هي أهم مدينة عربية". قرأ أدونيس في الأمسية عدداً من قصائده الشعرية، التي كتبها في فترات متباعدة. وقال عنه مدير الأمسية صقر أبو فخر: لقد دشن أدونيس في خمسينات القرن المنصرم مرحلة الحداثة الشعرية الجديدة، عبر ديوانه"البعث والرماد"، وما كادت قصائد"أغاني مهيار الدمشقي"، تنشر على الناس سنة 1961 حتى صار في الإمكان القول إن مشروعاً شعرياً حقيقياً، بدأ يبزغ في سماء الشعر العربي حيث القصيدة لديه أفق لا نهاية له". وفي الأمسية نفسها أشار أدونيس إلى أنه"لا يمكن أن يكون الشعر شعراً إلا إذا حل قضايا، ولكن أية قضايا؟ كل شاعر له قضية، وله رؤية، والمهم أن توجد أفكار وتفصح عنها، أبو نواس تمرد وخلق قيماً جديدة في الشعر العربي، والمعري تمرد وخلق قيماً جديدة أيضاً، والمشكلة تكمن في ماهية القضية التي يشتغل عليها الشاعر، والكيفية التي تكشف بها عن تلك القضية؟". ورداً على تساؤل من أحد الحضور حول مشكلة أدونيس مع الشعراء الشباب؟، رد بأنه ليس لديه مشكلة مع الشعراء الشباب، ولكن الشعراء الشباب أنفسهم لديهم مشكلة معه".