تنقسم أهداف العولمة الاقتصادية إلى قسمين: أهداف معلنة وأهداف خفية. وتتميز الأهداف المعلنة بأنها جذابة، ما جعل بعض مفكري الدول النامية يؤيدها ويتحمس لها. ومن تلك الأهداف المعلنة: 1- تقريب الاتجاهات العالمية نحو تحرير أسواق التجارة ورأس المال. 2- زيادة الإنتاج وتهيئة فرص النمو الاقتصادي على المستويين المحلي والعالمي. 3- زيادة حجم التجارة العالمية، ما يؤدي إلى الانتعاش الاقتصادي العالمي. 4- زيادة رأس المال في العالم بالاستعمال الأفضل للعمال ذوي الإنتاج المرتفع. هذه هي أهم أهداف العولمة الاقتصادية في نظر المؤيدين لها. ويلاحظ أن الهدف الأول وهو تقريب الاتجاهات العالمية نحو تحرير أسواق التجارة ورأس المال من أهداف النظام الرأسمالي والأسس التي يرتكز عليها, وهو يعني عولمة الاقتصادات العالمية وصبغها بالصبغة الرأسمالية. وعلى كل، فهذه الأهداف تتفق مع ما هو معلن من أهداف في اتفاقات إنشاء المنظمات الاقتصادية التي تخطط لسياسات العولمة الاقتصادية وتنفذها، كالبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية. فمثلاً من أهداف صندوق النقد الدولي، تيسير التوسع والنمو المتوازن في التجارة الدولية، ومن ثم الإسهام في تحقيق مستويات مرتفعة من التشغيل والدخل الحقيقي، وتنمية الموارد الإنتاجية للبلدان الأعضاء، على أن يكون ذلك من الأهداف الأساسية لسياساتها الاقتصادية، وإلغاء القيود المفروضة على معاملات الصرف المعرقلة لنمو التجارة الدولية. ومن أهداف البنك الدولي، الإسهام في تعمير الدول الأعضاء والعمل على تقدمها الاقتصادي، بتوجيه رؤوس الأموال إلى الأغراض الإنتاجية، وتشجيع مشاريع تنمية المرافق الإنتاجية والموارد الاقتصادية في البلدان الأقل نمواً، وتشجيع الاستثمار الأجنبي، والعمل على نمو التجارة الدولية نمواً متوازناً طويل المدى، والمحافظة على توازن حسابات المدفوعات الدولية، بتشجيع الاستثمار، لتوسيع نطاق موارد الإنتاج في الدول الأعضاء، ما يؤدي إلى زيادة الإنتاج، ورفع مستوى المعيشة والعمل في الدول الأعضاء. ومن أهداف منظمة التجارة العالمية، رفع مستوى المعيشة والدخل، وتحقيق التشغيل الكامل وتحقيق نمو اقتصادي كبير، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كانت أهداف تلك المنظمات المعلنة بهذه الصورة الجيدة، فلماذا لم تتحقق في البلدان النامية على مدى 60 عاماً، هو عمر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؟ هناك احتمالان: الأول: ما تدعيه تلك المنظمات والدول الغربية، من أن السبب هو الدول النامية نفسها، لأنها لا تلتزم بالسياسات التي تقترحها تلك المنظمات، لتحقيق الأهداف المعلنة. الثاني: أن السبب هو الدول الرأسمالية التي تمكنت ? بما لها من نفوذ مالي وسياسي ? من السيطرة على تلك المنظمات ووجهتها لتحقيق مصالحها حتى وإن عارضت مصالح الدول النامية. وهذا السبب هو ما جعل المعارضين للعولمة ? كهانس بيتر مارتين، وهارلد شامان، وتشوسودوفيسكي، وجون بلجر من الغربيين، وعبدالكريم بكار، وسعد الدين الصالح، ومحمد الحاجي من المسلمين ? يدعون أن لها أهدافاً خفية، يصفونها بأنها أهداف ضارة تسعى تلك المنظمات إلى تحقيقها. ومن تلك الأهداف الخفية في نظرهم: 1- هيمنة الولاياتالمتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي على الاقتصاد العالمي بوسائل منها: الاحتكارات والشركات الكبرى. 2- التحكم في مركز القرار السياسي في دول العالم، لتحقيق المصالح الأميركية والأوروبية. 3- تعميق الخلاف بين الدول والحضارات والمجموعات البشرية المختلفة، والاتفاق على خطط معينة للصراع على المصالح. 4- فرض السيطرة العسكرية والثقافة الغربية على الشعوب النامية، بقصد نهب مواردها وثرواتها. 5- القضاء على المشاعر الوطنية والهوية الثقافية، وربط الإنسان بالعالم لا بالدولة، لإسقاط هيبة الدولة. فاتضح مما سبق، أن المؤيدين للعولمة الاقتصادية نظروا إلى أهدافها النظرية، أي كما جاءت في اتفاقات إنشاء منظمات العولمة الاقتصادية، في حين أن المعارضين لها نظروا إلى أهداف العولمة الاقتصادية من جهة ما تمارسه تلك المنظمات ومن يوجهها في واقع الدول النامية من سياسات وما نتج من ذلك من نتائج. ومعلوم أن الكلام النظري قد يختلف عن التنفيذ، كما أن الأهداف المعلنة قد تختلف عن الأهداف الخفية. ومن تابع عمل منظمات العولمة الاقتصادية في الدول النامية يجد أدلة واقعية ترجح الأهداف الخفية للعولمة الاقتصادية على الأهداف المعلنة، منها ما يأتي: 1- أنه لو كانت أهداف العولمة كما هو معلن، لما رأينا المظاهرات تنطلق في كل بلد تتبع فيه سياسات منظمات العولمة الاقتصادية، بل وفي كل بلد تعقد فيه مؤتمرات أو ندوات العولمة وسياساتها، حتى ان هذه المظاهرات قد انطلقت من البلدان المصدرة للعولمة نفسها، ما يعني أن العولمة الاقتصادية إنما تسعى إلى تحقيق مصالح أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى خصوصاً متعددة الجنسية، وليست لتحقيق مصالح المواطن الغربي، فضلاً عن تحقيق مصالح مواطني البلدان النامية. 2- أن الأهداف المعلنة تعارض سياسات منظمات العولمة الاقتصادية عند التنفيذ. فرفع مستوى المعيشة وزيادة الدخل من أهداف العولمة الاقتصادية المعلنة، يعارض سياسة إزالة دعم السلع المعيشية أو زيادة الضرائب أو الخصخصة وما يترتب عليها، لأن هذه السياسات يترتب عليها انخفاض دخول بعض الفئات الاجتماعية والدخول القومية وليس زيادتها. 3- ان السياسات المنفذة مبنية على النموذج الغربي في التنمية، النابع من النظريات الاقتصادية الغربية، وهو أمر يفرض على الدول النامية فرضاً، ولا يؤخذ رأيها فيه، ما يؤكد الأهداف الخفية المتمثلة بعولمة اقتصادات الدول النامية وربطها بالنموذج الرأسمالي الغربي. 4- إن الدول الكبرى الدائنة تربط الموافقة على جدولة الدين قلب الدين المستحق على الدول النامية، بإحضار خطاب من صندوق النقد الدولي يثبت خضوعها لسياساته وسياسات البنك الدولي. ما يؤكد أن الهدف من تلك السياسات هو جعل البلد الذي تنفذ فيه، قادراً على تسديد ديونه، ومسهلاً تحويل أرباح الاستثمارات الأجنبية إلى الخارج، دون العمل على تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية في ذلك البلد. 5- إن تحرير الأسواق مطلقاً ليس من مصلحة الدول النامية، لتفاوت أوضاعها واختلافها عن أوضاع الدول المتقدمة، ولأن هذا التحرير يؤدي إلى زيادة العجز الخارجي وليس إلى خفضه، فالعدل يقتضي مراعاة أحوال الدول النامية. إذاً، سياسات منظمات العولمة الاقتصادية يوحي ظاهرها بأنها متفقة والأهداف المعلنة لها، أما باطنها فيحقق الأهداف الخفية لتلك العولمة، وذلك أن الذي يملي تلك السياسات على واقع الدول النامية هي منظمات اقتصادية قوية تسيرها الدول الكبرى وفق سياساتها وبما يحقق أهدافها. *أستاذ السياسة الشرعية في معهد الدراسات الديبلوماسية [email protected]