مصطلح العولمة من أكثر المصطلحات المعاصرة انتشاراً وغموضاً في الوقت ذاته. ولذلك يتساءل كثيرون عن معنى المصطلح. وعن حكم العولمة في الإسلام، وموقف المسلمين منها؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة، عقدت كثير من المؤتمرات والندوات والمحاضرات، إلا ان ما قدم فيها كان يعاني أمرين. الأول: طرح الموضوع والتعمق فيه من الناحية الاقتصادية من دون بيان الحكم الشرعي. والثاني: طرح إسلامي عام، لا يضع النقاط على الحروف، فلا يبين الحكم الشرعي بعد دراسة الظاهر دراسة وافية، ولا يطرح حلولاً تفصيلية وسياسات شرعية يمكن تطبيقها في الواقع. باستثناء بعض الرسائل العلمية القليلة جداً التي تناولت أجزاء يسيرة من هذا الموضوع الضخم. وإسهاماً في تجلية هذا الأمر، فقد بحثت هذا الموضوع، من ناحية معنى العولمة عموماً والعولمة الاقتصادية خصوصاً، وأهدافها، وأدواتها وأسباب بروزها وآثارها الاقتصادية في الدول الإسلامية، ومنظماتها التي تخطط لها وتطبقها على شكل سياسات في الدول النامية وهي: البنك الدولي للتعمير والتنمية، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية. وبينت تلك السياسات في الشريعة الإسلامية وطرحت سياسات شرعية يمكن أن يستغنى بها عن سياسات تلك المنظمات في حالة معارضتها للشريعة الإسلامية، أما سياساتها الموافقة للشريعة فيمكن الأخذ بها إذا اقتضى الأمر. والعولمة"Globalization"لفظة إنكليزية حديثة المنشأ، لا يجدي البحث عنها في المعاجم العربية. وبالرجوع إلى بعض تلك المعاجم وجدت أن أصل اللفظة هو"Globe"ويعني: كرة، أو الكرة الأرضية، أو كرة يعلوها صليب، ترمز إلى سلطة الملك وعدالته. أما الاسم وهو"Globalization"فيعني ما يأتي:"To make global esb. To make worldwide in scope or application"أي ان العولمة هي إكساب الشيء طابع العالمية، خصوصاً جعل نطاق الشيء أو تطبيقه عالمياً. وترجمت اللفظة الانكليزية إلى ثلاثة ألفاظ عربية:"العولمة والكوكبة والكونية"، وانتشرت اللفظة الأولى على لسان كثير من الكتاب. واختلفت التعريفات الاصطلاحية للعولمة، باختلاف توجهات وأفكار من يعرفونها، قبولاً أو رفضاً. فمن الفريق الأول ? وهو المؤيد للعولمة ? عرفها صندوق النقد الدولي بأنها"تزايد الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين بلدان العالم، بوسائل منها: زيادة حجم وتنوع معاملات السلع والخدمات عبر الحدود والمتدفقات الرأسمالية الدولية، وكذلك من خلال مدى انتشار التكنولوجيا". ويؤخذ على هذا التعريف أنه يحصر العولمة في المجال الاقتصادي ويهمل المجالين السياسي والثقافي، كما انه يصور العولمة كأنها ظاهرة تلقائية عفوياً، وليس خلفها جهات توجهها وتسيرها، وكما ان هذا هو المعنى المعلن للعولمة، أما المعنى الخفي فشيء غير ذلك. ومن الفريق الآخر ? المعارض للعولمة ? عرفها الأطرش:"اندماج أسواق العالم في حقول التجارة، والاستثمارات المباشرة، وانتقال الأموال والقوى العاملة والثقافات والتقانة ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق، وتالياً خضوع العالم لقوى السوق العالمية، ما يؤدي إلى اختراق الحدود القومية وإلى الانحسار الكبير في سيادة الدولة، والعنصر الأساسي في الظاهرة الشركات الرأسمالية الضخمة متخطية القوميات. والراجح في معنى العولمة في نظري هو ما ذكره المعارضون، وهو المعنى الخفي للعولمة، وملخص هذا المعنى أن العولمة هي نشر القيم الغربية الرأسمالية في العالم، وجعل العالم كله يسير وفقاً للنموذج الغربي الرأسمالي في مجالات السياسية والاقتصاد والثقافة. * أكاديمي سعودي