أن يظهر أحد مسؤولي القطاعات الحكومية ويصدر قرارات لا تعجب بعضنا، فإننا نقول:"رضا الناس غاية لا تدرك". لكن أن تصمت الجهات المعنية عن إعطاء أسباب لكارثة وقعت، حينها نقول:"قهر الناس غاية تدرك، وبسهولة"! عندما تحدثت عن الهبوط القاتل في مؤشر سوق الأسهم السعودية كان لديّ طلب بسيط، وهو إيجاد ولو واحد في المئة من الضمير الحي لدى المسؤولين لدى بعض الجهات المختصة، كي نعلق عليها الأمل. الآن أدركت أنني كنت مخطئاً ومبالغاً في طلبي، وأعتذر عن هذا الطلب شبه المستحيل، وأطلب بكل خجل"تخفيف"الظلم عن ضحايا السوق الذين سُحقت أموالهم ورؤوسها بمؤشر لا يخاف لومة لائم، وهيئة سوق مال تمارس عملها بصمت! هل سمعتم بالقرارات الصامتة من قبل؟ قلنا إننا لا نريد من الجهات المالية تعويضنا عن خسائرنا، وإننا أخطأنا عندما اعتقدنا أن الهيئة تحمي صغار المساهمين أسوة بكبار"الهوامير"والمصارف، فلم نكن نعلم الفارق بيننا وبينهم، ف"الهامور"الكبير يترك له المجال ليرفع سهم شركة خاسرة وشبه معدومة إلى عشرة أضعاف من دون أي تدخل يذكر من الجهة المؤتمنة على أموالنا، وبعد أن يشبع هذا"الهامور"وينتفخ كالمنطاد، تأتي الهيئة وتقول:"إننا أوقفنا مضارب الشركة الفلانية والشركة الفلانية"، وهي تعلم مسبقاً أن بعض تلك الشركات لا تمتلك حتى مطبوعات باسمها منذ ظهورها للتداول! وتترك الضعفاء المساكين متعلقين ب"شوشهم"في تلك الشركات، كالذي يتعلق بأسنان حوت خوفاً من الغرق. الحديث لا ينتهي عن تلك الأزمة حتى لو انتهت، فهي كارثة تشبه سنة الرحمة التي حكاها لنا أبي وجدّي. والذين يرون أن سوق الأسهم ربح وخسارة، نقول لهم:"لماذا تركزون على المسلمات من الأمور وتتجاهلون المعضلات التي أمامكم وفوقكم؟". نحن نقبل بالخسارة إذا كانت ناتجة من قراراتنا وأفعالنا، لكن لا نقبلها عندما يتسبب الآخرون فيها عمداً علينا! تقولون:"كيف؟"، أقول إنه لم يحدث في أي بلد في العالم، ولا في أعماق البحار، ألا تفصح الجهة المسؤولة عن سوق المال عن سبب خسارة المؤشر أكثر من ستة آلاف نقطة، ولم نسمع في كل أرجاء المعمورة هيئة سوق مال تطبق قراراً بخفض أو زيادة نسبة التذبذب من دون الإعلان مسبقاً، ولم يحكَ، حتى في قصص التاريخ، أن هناك جهة مالية حكومية تتدخل علناً بتحذيرات من ارتفاع أسعار الأسهم أو حتى انخفاضها، وهي تعلم أن ذلك يخالف القوانين المعمول بها في كل أسواق العالم، وإنما من صميم عملها توضيح سبب الارتفاع غير المعقول في المؤشر أو سبب الهبوط القاتل. والآن عشنا وشفنا العجب العجاب، السوق السعودية تخسر أكثر من 900 بليون ريال خلال ثلاثة أسابيع. 900 بليون ريال! لا أعتقد أن هناك سوقاً تخسر مثل هذا الرقم في أربعة أسابيع، لكن عندنا"خصوصية"فريدة تمنحنا الحق في أن ندخل موسوعة"غينس"للأرقام الفلكية بقرارات"الهيئة"الذكية! إنني أقترح على هيئة سوق المال، ولي"براءة الاقتراح"، أن تفتح لديها قسم تدريب يؤهل مديري أسواق المال في الدول الأخرى للقيام بتبديد ثروة ملايين البشر بتصريح لا يتجاوز أربع كلمات، أو ب"صمت يُفقد السائلين حبالهم الصوتية!". * كاتب سعودي [email protected] +