يرى مندوب السعودية الدائم لدى منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونيسكو زياد بن عبدالله الدريس أن وجود"ليبرالي دائم"أو ليبرالي مدى الحياة هو خرافة، لا تنسجم مع طبيعة المزاج الإنساني المتقلب، والمميز بطبعه. وعلى رغم تحفظه على مسألة تصنيف المفكرين والمثقفين، إلا أنه يعتبر نفسه"إسلامي الفكر، ليبرالي التفكير". ويعتقد الدريس، الذي شغل خلال السنوات العشر الأخيرة منصب رئيس تحرير مجلة"المعرفة"، التي تصدرها وزارة التربية والتعليم، أن كونه"نصف مثقف، ونصف موظف"، ربما كان وراء قرار توليه منصبه الجديد. ويشير في هذا الصدد إلى أن الجدلية بين الموظف والمثقف ليست خاصة بالوسط الثقافي العربي فقط، بل هي جدلية عالمية، تتبنى فرضية المزاجية والعبثية والانفرادية عند جميع المثقفين، وهي فرضية تحاكي طبيعة الإنسان المتمرد داخل المثقف، الذي قد يعترف بالإنتاجية غير المزاجية، لكنه حتماً لن يعترف بقانون الانضباط والالتزام الإداري! يذكر أن الدريس يستعد لنيل درجة الدكتوراه من جامعة موسكو التربوية الحكومية، وكان حصل على الماجستير من الجامعة نفسها عام 2002 في موضوع"سوسيولوجيا الثقافة"، وصدر له كتابان هما"محيط العطلنطي ? مذكرات بيروقراطي بالنيابة"عام 2000، و"حكايات رجال"عام 2004، وانضم أخيراً إلى كُتَّاب صفحة الرأي في"الحياة". وفي ما يأتي مقابلة سريعة أجرتها"الحياة"مع زياد الدريس 44 عاماً لمناسبة توليه منصب مندوب السعودية لدى اليونيسكو. } الذي يتابع مقالاتك ومواقفك الثقافية يحتار في تصنيفك إن كنت إسلامياً أم ليبرالياً؟ - أولاً، هل لا بد من حكاية التصنيف والفرز هذه، بآلياتها المميزة،"الناس شهود الله على أرضه"في تقويم جوانب الخير والبر عند الإنسان بمعزل عن التصنيف الحزبي. التصنيف الشمولي للناس مهمة ربانية موكولة إلى الله عز وجل ليميز الله الخبيث من الطيب. أما وقد اشتهيت التصنيف، فسأقول لك إنني: إسلامي الفكر... ليبرالي التفكير، لأنني أؤمن بأن الإسلام هو"محتوى"فكري، والليبرالية"أداة"للتفكير، فلا يمكن أن يكون المسلم مسيحياً أو اليهودي مسلماً، لأن هذا سيعني تناقضاً في الجمع بين محتويين متغايرين، لكن يمكن أن يكون الليبرالي مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً، ويمكن أن يكون المسلم ليبرالياً أو غير ليبرالي، وكذلك المسيحي واليهودي. ومثلما أن المسلم قد يتخاذل أحياناً عن الانضباط بالمحتوى الذي ارتضاه، فإن الليبرالي بالمثل قد يتخاذل أحياناً عن الانضباط بالأداة التي ارتضاها في طريقة تفكيره، فيصبح دوغماتياً قمعياً أحادياً في التفكير، وعندها تصبح الليبرالية بالنسبة إليه مجرد شعار يدعيه، فلا ينطبق عليه الا عندما يطبقه. ولذا فإن وجود"ليبرالي دائم"أو ليبرالي مدى الحياة هو خرافة، لا تنسجم مع طبيعة المزاج الإنساني المتقلب، والمميز بطبعه. } هناك فرضية تتردد كثيراً، مفادها أن المثقفين لا يجيدون إدارة الشؤون الثقافية، وأن"الموظف"أنسب من"المثقف"لإدارة مؤسسات العمل الثقافي، فهل ستصبح مثقفاً أم موظفاً في مكتب منظمة اليونسكو في باريس؟ - هذه الجدلية بين الموظف والمثقف ليست خاصة بالوسط الثقافي العربي فقط، بل هي جدلية عالمية، تتبنى فرضية المزاجية والعبثية والانفرادية عند سائر المثقفين، وهي فرضية تحاكي طبيعة الإنسان المتمرد داخل المثقف، الذي قد يعترف بالانتاجية غير المزاجية، لكنه حتماً لن يعترف بقانون الانضباط والالتزام الإداري! من هنا كان الاحتفاء دوماً بالقلة من المثففين، الذين أجادوا دورهم كموظفين في المؤسسات الثقافية، بعد أن تخلصوا من ضغوط"كائن المثقف"في دواخلهم! لحسن الحظ إنني نصف مثقف ونصف موظف، ولذا ربما كان اختياري لهذا الموقع! } مجلة"المعرفة"تربطك بها علاقة حميمة منذ أن أمسكت رئاسة تحريرها إبان إعادة إصدارها قبل عشر سنوات. هل تظن الآن انها في مأمن من قلق ريح تقتلعها! - أمضيت في"المعرفة"عشر سنوات 1417-1427ه، أعدها من أثرى تجاربي الحياتية، والوظيفية خصوصاً. شكلت تلك التجربة بالنسبة إليّ نقلة نوعية في مسار علاقتي بالثقافة والإعلام، وأظن أيضاً إننا صنعنا منها ? أنا وزملائي في التحرير نقلة نوعية في مجال الثقافة التربوية، وفي مجال المطبوعات التي تصدر عن جهات حكومية. القلق الذي سمعته من كثير من الأصدقاء ومن محبي"المعرفة"عليها، لا أظنه مبرراً بالحجم الذي سمعته من اقتلاعها أو تهميشها، قد يغشاها تغير في مسارها ولغتها بما ينسجم مع رؤى رئيس التحرير الجديد، وهو أمر طبيعي يحدث لكل مطبوعة، كما يحدث لكل طبخة. ولأن أهم الحماة والمدافعين عن المطبوعة هم قراؤها، فإنه لحسن الحظ أن وزير التربية والتعليم المشرف العام على"المعرفة"د. عبدالله العبيد هو أحد قرائها... فلا قلق عليها. } هل ستعود لرئاسة تحرير"المعرفة"بعد عودتك من اليونسكو؟ - أنا مدين لوزير التربية والتعليم السابق الدكتور محمد الرشيد بأنه وضعني في"المعرفة"في الوقت المناسب، ومدين للدكتور عبدالله العبيد بأنه نقلني من"المعرفة"في الوقت المناسب، فعشر سنوات كافية لرئاسة تحرير مطبوعة واحدة!!