سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
يقول إن النقاد السعوديين مشغولون بالتنظير ... وإن معرض الرياض للكتاب مجرد أداء واجب . تركي الحمد: المثقف العربي أزّم المجتمع... وروايتي المقبلة تحلل التاريخ السعودي
صدور رواية جديدة للروائي والمفكر تركي الحمد معناه مناسبة وفرصة سانحة، لتقليب سيرة هذا الرجل الذي بدأ كاتباً لمقالات ودراسات فكرية جادة، لكنها للأسف لم توفر له مساحة كبيرة من الحضور في الساحة الثقافية بحكم نخبوية الفكر، وبمجرد أن انتقل إلى الكتابة الأدبية وأصدر رواية بعد أخرى، أضحى حديث الناس في شكل عام وليس جمهور المثقفين فقط ومحل اختلافهم وائتلافهم. ما يحسب لتركي الحمد، ويميزه عن غيره من كتاب الرواية، أنه قدم إلى الرواية من حقل كتابي عمل على صقل أدواته البحثية، ومده بشجاعة وجرأة كافيتين لمقاربة أي موضوع من دون خوف أو حذر. وما يحسب أيضاً لروايات الحمد أنها مهدت الطريق للروائيين السعوديين من بعده، لناحية توسيعه من هامش حرية التعبير، واقتحام مناطق شائكة في المجتمع السعودي والكتابة الأدبية على السواء. في هذا الحوار الذي يأتي في مناسبة صدور روايته الجديدة"ريح الجنة"دار الساقي، بعد أن أخذت حقها من القراءة والمتابعة، وسجلت ضمن الكتب الأكثر مبيعا في مكتبة"النيل والفرات"، إضافة إلى معارض الكتب الدولية في بيروتوالقاهرة وسواهما، في هذا الحوار يهاجم الحمد النقاد المحليين لانشغالهم ب"التنظير"أكثر من متابعتهم الأعمال الأدبية المحلية، مشيراً إلى بحث الناقد السعودي عن قوالب نقدية معينة كي يؤطر من خلالها الرواية، كما يصف المثقف العربي ب"المأزوم"، ويدافع عن رواية"ريح الجنة"التي واجهت صنوف الانتقاد، مؤكداً انه اجتهد في توصيف الأسباب الحقيقية وراء ظاهرة الإرهاب، من خلال الرواية قدر استطاعته، وقال في حواره مع"الحياة"إن روايته حاولت توظيف أحداث 11 أيلول سبتمبر، من خلال انفعالات متعددة. إلى نص الحوار. منع مجمع البحوث الإسلامية الأزهري تداول"ريح الجنة"في مصر. هل علمت الأسباب؟ - ما زالت ممنوعة، ولكن حين حضرت معرض الكتاب الدولي في القاهرة الشهر الفائت، وجدت ان معظم الناشرين يخفونها تحت الصناديق، ولكن رسمياً ممنوع تداولها في مصر، ولا اعلم حقيقة ما الأسباب ولم أر ما يبرر ذلك، ولكن اعتقد أن السبب كون بطل القصة مصرياً وبسبب الحديث عن الأحياء العشوائية في مصر، لذا فهي ليست أسباباً دينية، ولكن اعتقد أنها سياسية. ومن ناحية أخرى لم يكونوا في حاجة إلى المنع، فمن هو المواطن البسيط الذي سيشتري الرواية بعشرة دولارات ليقرأها، كما أن القارئ المصري لا يقرأ غالباً إلا للكتاب المحليين، ولكني أشكرهم على هذا القرار الذي ساعد على انتشارها. هناك من اخذ عليك في"ريح الجنة"اختصار النزاع الحضاري بين الشرق والغرب بهدف الوصول إلى الحور العين من قبل مكبوتين جنسياً، وإدراجها كأحد أسباب الإقدام على هجمات 11 أيلول؟ - قرأت مثل هذه التعليقات، وأقول أن من يقرأ الرواية فعلا سيجد أسباباً أخرى كالصدام مع أميركا وإسرائيل وبعض الأوضاع الاجتماعية. ونحن لا نقول ان الفقر هو الدافع للإرهاب، وأساساً أي ظاهرة اجتماعية أو سياسية لا يمكن تفسيرها بعامل واحد، ولكن حين نأتي ونحلل تكون هناك عوامل رئيسة أو معززة، ومن يقرأها بموضوعية سيجد ان هناك أسباباً كثيرة، كما حاولت تتبع حياة الأبطال من الطفولة، وغالباً من خلال تسجيلات صوتية، مثل من قاموا بعمليات إرهابية في الرياض، فكلهم يرون ان الحور العين ينتظرنهم في الجنة. وحين نتحدث عن الدافع الجنسي فإننا لا نقلل من قيمته، فبالتالي هو موجود لديهم، وكل ما يخطر في البال هن الحور العين، سواء في الرياض أو مصر أو الجزائر. وعندما يأتي كاتب سياسي ويريد إعطاء العملية بعداً سياسياً أو بعداً اجتماعياً فإنه سيكون متخيلاً وليس بالضرورة موجوداً. نعم العداء لأميركا وإسرائيل موجود ولكن هل وجدنا ان العداء الفيتنامي للولايات المتحدة أدى إلى تدمير الداخل الأميركي؟ وهل وجدنا عداء اليابان التي دمرت مدنها بالقنابل النووية يذهب إلى نيويورك ويحطمها؟ إذا السؤال لماذا نحن؟ إن الكتب التراثية التي نقرأها تتحدث عن نعيم الجنة دائماً كما تتحدث بإسهاب عن الحور العين وهي القيمة الأساسية ان هناك عذارى ينتظرن هؤلاء الشباب، وما عليه إلا ان يفجر نفسه في لحظة واحدة وينتهي من الشقاء إلى النعيم، وأنا استغرب مِن مَن يقلل من الدافع الجنسي، وبالطبع هو ليس الدافع الوحيد. لِم لا ينتقد أحد الإمام السيوطي؟ البعض ينتقد عدم خوضك في العمق لذكر الأسباب الحقيقية للإرهاب، على العكس رواياتك السابقة؟ - ومن قال إن هناك تجاهل؟ وهل هناك من يعرف الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ظاهرة الإرهاب؟ وهذا سؤال وأنا مجرد مجتهد. أطرح عاملاً أو عاملين أو ألقي شيئاً من الضوء على هذه الظاهرة وأسبابها، ولكن ليس لديّ الحل السحري، أو معرفة الأسباب الحقيقية الكثيرة التي تقف وراء الإرهاب وإلا سأدعي ما لا أملكه. ويجب كذلك ان نفرق بين القادة والمجندين، فالأخيرون مغسولو الأدمغة، ومثال على ذلك أبناء القادة، هل وجدنا أحداً منهم قام بعمل إرهابي ستجدهم في الولاياتالمتحدة التي يتهجمون عليها، ولكن بقية خلق الله لا بأس. وإن كانت الجنة قاب قوسين أو أدنى، أفلست أنت أحق بها يا من توجه؟ ولكن بعضهم اعترض على زج المقاطع الجنسية، بداع وبغيره؟ - ولمَ لا ينتقد في ذلك الإمام السيوطي، الذي له 14 مجلدا حول هذه المسائل، وكتب لا يمكن ان تذكر في الوقت الحالي، حتى لو قرأنا للجاحظ أو ألف ليلة وليلة نجد هناك إسقاطات جنسية، بل أوصافاً واضحة، ولا يستطيع أحد أن يقول شيئاً، فلماذا الآن إن تطرق شخص إلى هذه المسألة ينتقد؟ هذه مشكلتنا في جعل أمور معينة"تابو". ولكن هؤلاء مثقفون ونقاد وليسوا عواماً؟ - أثق بقراءة القارئ العادي أكثر من الإنسان المثقف، لأنه يفهم معاني أكثر من المثقف الذي قد يكون مؤدلجاً أو لديه فكرة مسبقة. وأنا لا انتقدهم فلهم الحق في قول ما يشاءون بل احترم رأيهم، كما ان الرواية موجهة إلى المجتمع، فأنا أفضل القارئ العادي الذي يقرأ مباشرة عن القارئ المثقف، الذي يبحث عن أمور معينة كي يضع هذه الرواية فيها. هناك مثقف قبل البدء في قراءة الرواية يبحث عن قالب نقدي معين، كي يؤطر هذه الرواية من خلاله، إذاً هذه ليست قراءة مباشرة أو موضوعية، فلا أجدها عند المثقف وبخاصة العربي، فهو بصراحة مأزوم وأزم المجتمع معه، فجزء من أزمتنا هو أزمة المثقف. تعرضت الرواية إلى نقد يصفها بتقارير صحافية، فما الجديد الذي سعيت إلى إضافته، بما أن الجميع يعرف تفاصيلها الأمر الذي أضعف القيمة الفنية وجعل الرواية تتسم بالرتابة؟ - قرأت هذا النقد الذي يصف"ريح الجنة"بأنها مجرد عمل صحافي ولم تأت بجديد، ولكن في الوقت نفسه قرأت تعليقات معينة لأشخاص يمدحون العمل. وقضية ان تمدح أو تشجب لا تهمني كثيراً، إضافة إلى أنني حين اقرأ رواية"الحرب والسلام"لتوليستوي أو"الجريمة والعقاب"أو روايات تشارلز ديكنز عن المجتمع البريطاني، فأنا لديّ علم مسبق بالأحداث، فعندما أقرأ رواية لا أبحث عن معلومة، ولكني ابحث عن توظيف الحدث من عوامل نفسية وانفعالات قدر جهدي. قد لا أكون بالمبدع، ولكن بقدر الإمكانات حاولت شرح الحال النفسية التي دفعت أشخاصاً معينين في هذه السن إلى أن يقوموا بهذا العمل ولماذا. وحين ننظر إلى"محمد"بطل القصة وطفولته، التي عاني فيها من معاملة الأب، على أساس انه لم يكن رجلاً بمعنى الكلمة، وتدليل أمه له وفشل قصة حبه، هذه العوامل تعطيني نقطة ضوء. نعم نعرف الأحداث، ولكن كيف يتم توظيفها لمعرفة لماذا فعلوها؟ استفادة وليست سرقة ماذا عن اتهامك بالسرقة من رواية"الحزام"لأحمد أبو دهمان؟ -"الحزام"تتناول وضع الجنوب، وهو وضع اجتماعي معين، وأنا تكلمت عن الوضع نفسه. والسرقة تكون حين اخذ النصوص وأضعها باسمي. والشيء الآخر حين تحدثنا عن الجنوب كان جزءاً من الرواية، وبالتالي استفدت من تجارب الآخرين، استفادة وليس سرقة. تلك الاتهامات ليست نقداً موضوعياً، إنما محاولة تجريح شخصي. هل تعتقد ان الحركة النقدية في السعودية نشطة، لتواكب المنجز الروائي؟ - لا للأسف. النقاد السعوديون مشغولون بالتنظير أكثر من انشغالهم بقراءة الأعمال الموجودة، ونادراً ما نجد قراءة لعمل سعودي وان وجدنا قراءة، فنادرا ما نجد نقداً موضوعياً، واعتقد أن هناك علاقة من انعدام الود بين الناقد والكاتب السعودي. فالناقد السعودي مشغول بالتنظير ومحاولة تعريب أنماط نقدية معينة، من دون محاولة قراءة العمل المحلي حتى وان تطرق البعض لعمل محلي يتكلم عن نظريات أجنبية ومحاولة البحث عنها في تلك الرواية وإن لم يكملها، وللأسف النقد السعودي مشغول بالتنظير. هل قرأت رواية"بنات الرياض"، وما رأيك بالنقد والضجة الإعلامية التي صاحبت ظهورها، فهناك من قال انه لو كان كاتبها رجلاً لما طاولها ذلك الضجيج؟ - نعم قرأتها واستمتعت بها بطبيعة الحال، فالأسلوب الذي أتت به رجاء الصانع كان أسلوباً مبتكراً كإدخال الانترنت، ولكن لنعترف ان هناك ثلاثة عوامل أساسية هي التي ساعدت على انتشار الرواية، أولها أن الكاتب أنثى وصغيرة السن، وثانياً أنها تتكلم عن بنات الرياض، وهو عامل كبير، كما أنها كتبت عن مجتمع الرياض، الذي يعتبره البعض سراً لا يعرفه من في الخارج مع ان كلنا نعرفه. وأعتقد أن ما جاءت به الصانع لا يمثل ولا 40 في المئة مما يجري، والبعض اتهمها بان كلامها غير صحيح، ولكنها ظاهرة موجودة، ونشره شكل جاذبية معينة، وهذا لا يقلل من قيمة العمل. هي رواية استمتعت بها وقدمت لي جديداً، إذاً هو عمل ناجح. وما رأيك فيها كقيمة أدبية، وما تعرضت له من انتقادات أدبية؟ - لست ناقداً، أنا قارئ وأحكم من خلال ذائقتي، والقالب الذي أضع فيه الرواية ليس عملاً نقدياً، لأن الفن هو انطلاق وحرية، ولو كان الروائيون الأوائل تقيدوا بالنصوص الأدبية المعترف بها في زمانهم، لما حصلنا على فنون جديدة. وفن الرواية هو فن جديد والروائيون الأوائل طاولهم النقد، بزعم أنهم اخترقوا القوالب الروائية للنص الأدبي، لكن ماذا حدث بعد ذلك؟ أصبحت رواياتهم مقياساً، وتلك المقاييس اختراع ذهني والمشكلة الرئيسية كما قال اينشتاين:"نحن نخلق المفاهيم فتأسرنا"، والمبدع هو من يخرج خارج المألوف. النقد والإعلام السعودي يسهم في تغييب الأديب كيف ترى التجربة الروائية في السعودية حالياً، ولمن تقرأ من الروائيين السعوديون؟ - لابد أن نفهم أن الرواية فن مديني، بحيث يجعل البسيط معقداً كما فعل الكوني في رواياته عن الصحراء. وهناك زخم روائي يبشر بالخير، وقرأت مثلاً لعبده خال، ومحمد حسن علوان، وليلى الجهني، وهي تعجبني كثيراً على رغم أنها لم تكتب سوى رواية واحدة، ورجاء عالم التي اقرأها بسبب لغتها الممتعة وليس لمتعة الرواية عندها. هناك زخم ولكن المشكلة عدم وجود نقد حقيقي، وعدم وجود إعلام يساعد الروائي السعودي، وعندنا إخفاء للكاتب السعودي. فمثلاً في مصر إذا ظهر روائي جديد، مهما كان جيداً أو ضعيفاً، تجدين أن النقد والإعلام يحاولان إبرازه، أما نحن فالإعلام يخفي روائيينا. ولكن هناك الكثير من الأدباء المصريين يشتكون من المصادرة، ومن التضييق مثل أحمد الشهاوي وغيره، كيف تفسر مثل هذه الظاهرة؟ - ظاهرة تعني التراجع. في بداية القرن كنا أكثر تنويراً من الآن، سواء في الأدب أم الدين. قارني مشايخ ذلك الزمان بمشايخ هذا الزمان. وفي ما يخص الأدب كان هناك اتفاق الا تقيده قيود ولا حدود، أما الآن فمقيد بتابوهات، وإذا دخلت مثل هذه الأمور في الأدب لا يعود فناً، ولكن يصبح نصائح إرشادية. والأدب هو من يعكس الصورة الحقيقة للحياة. كيف تنظر إلى موقف نجيب محفوظ الأخير حول طلبه مباركة الأزهر لأولاد حارتنا وإلا فلن يطبعها؟ - رجل في سنه يريد ان يعيش بقية حياته في هدوء، لم يعد ذلك الشاب الذي يستطيع تحمل الضجيج، إضافة إلى تعرضه لمحاولة اغتيال. وأنا أقول يجب ان يتم التعامل معه الآن كانسان، يريد ان يقضي بقية حياته في هدوء، ربما يكون هذا السبب، وهذه مجرد تأملات. هل دعيت إلى معرض الكتاب الدولي في الرياض، وطبيعي أن تكون حضرته في دوراته السابقة؟ ما رأيك به وهو على مقربة منا؟ - لم توجه لي دعوة من أي مؤسسة ثقافية، ولا أستطيع الحكم على المعرض المقبل. ولكن من خلال تجربة المعارض السابقة لا اعتقد أنها معارض للكتب، بقدر ما كانت أداء واجب. فليس من المعقول ان تكون الرياض عاصمة ثقافية، ولا يكون هناك معرض للكتاب، فبالتالي من أداء الواجب عقده، وأن تأتي بالكتب التي تريد، والمتحدثين الذين تريد أيضاً، أليس هناك ألوان طيف أخرى؟ دع الجمهور يحدد ويقرر، والقضية ليست فيمن يأتي، ولكن يجب ان يكون جميع أطياف الكتب والأشخاص موجودين، وهذا يتكرر في معظم العواصم العربية ما عدا الشارقة أخيراً، فلم يكن هناك أي نوع من المنع. أما الدول الأخرى فتختلف أسباب المنع مابين الديني و السياسي. هل هناك مشاريع روائية جديدة؟ - خلال الفترة الماضية، مررت بظروف صعبة، ولكنني الآن أحاول العودة للتوازن، إذ يوجد لدي مشروع روائي، سيكون على شاكلة"شرق الوادي"، أي عمل يحلل المجتمع والتاريخ السعودي، في شكل مختلف عما طرح في"شرق الوادي"، وأتمنى نجاحه وألا يكون مجرد تقرير صحافي يضحك.