كل مسؤول في هذا البلد يحاول جاهداً أن يضع الرجل المناسب في المكان المناسب، بما يحقق مصلحة الوطن والمواطن، ويحقق تطلعات قيادتنا الرشيدة. ومهما كان المسؤول عادلاً ونزيهاً ومخلصاً، إلا أن طبيعة الهيكل التنظيمي ووجود مجموعة من المقربين لديه تجعله يلجأ إليهم لاقتراح اسم لشغل منصب ما، وهو لا يفعل هذا إلا لثقته بهم وانهم يقسمون أمامه بأنهم يسهرون الليل ويتركون الطعام لأجل المواطن وراحته، وان حب الوطن والمواطن يسري في عروقهم، وهنا تنطلق هذه الفئة المتملقة وأصحاب الوجوه المتعددة نحو البحث عما يحقق مصالحهم أو ينتمي إلى مذهبهم أو عشيرتهم، وهذا هو معيار الصلاح والوطنية لديهم. فيبدأ التحضير لإقناع المسؤول بان هذا الشخص هو الرجل المناسب، ولن يجد أفضل منه في المعمورة كلها، وتبدأ فصول المسرحية وأول فصولها إطلاق الثناء على الشخص المزعوم أمام المسوؤل والمداومة عليها لبضعة أيام، وثانيها إحضار ذلك الشخص المراد تلميعه أمام المسؤول بعد أن يتم ستره بالملابس النفيسة ذات الألوان المحببة للمسؤول، على أن تفوح منه رائحة العطر التي يفضلها المسؤول، وما أن يتشرف بالسلام عليه إلا وينهال التعريف الحار به وانه لا يقل عن صفات السلف الصالح! وأنه سبحان الله لا يصلح لهذا المركز إلا هذا الرجل، ويقسمون على ذلك. وأمام هذا الزخم من التزكية وحيث إن المسؤول لا يعلم ما في القلوب، فانه يقتنع ويصدر قرار التعيين وهو يعتبره قراراً حكيماً، ويضحك هؤلاء المقربون بملء اشداقهم فرحاً بفوزهم وتصديق المسؤول لهم ولا تؤنبهم ضمائرهم، لأنها تعودت على ذلك، بل ويقهقون في مجالسهم الخاصة مرددين أن المسؤول الفلاني أصبح خاتماً في أيدينا! والمسؤول الغافل له الله. وفي اليوم الأول من استلام الشخص الجديد الملمع لعمله تجدهم أول من يزوره في مكتبه ليس للتهنئة وحوزه على الثقة وإنما لتذكيره عدم التطاول عليهم، وانه لا شيء بدونهم. فهو غير كفء لهذا العمل ولكنهم عطفوا عليه، ومن ثم عليه عدم تعطيل معاملة من أوصله إلى هذا المركز، لأنهم قادرون على طرده متى ما رغبوا ذلك. ومنذ يومه الأول، لا يصبح هم صاحبنا الملمع إلا خدمة فلان وترضية فلان، وآخر ما يفكر به هو خدمة الوطن والمواطن. وعندما ينجح مواطن بعد عناء في مقابلته لحل مشكلة ما يجده يمارس التكشيرة الثعلبية ويتشدق بحب الوطن والمواطن كما تعلمها من أصحابه، ويمارس الابتسامة الصفراء في وجه المواطن، قائلاً:"بحسب النظام"وهو لا يعرف معناها، والا لو فهم معنى"بحسب النظام"لما كان في هذا المنصب. أتمنى أن يظهر كل مواطن على صورته الحقيقية، فالمثل الشعبي يقول: حبل الكذب قصير، وكثرة التلميع والصبغ بالألوان قد تزيلها زخة مطر، وتنكشف الحقيقة كما حصل لحمار السيد ياسين في مسلسل غوار الطوشة. مخلف الشمري - الخبر