يطلق شاب أبواق سيارته في أحد الأحياء القديمة ليستعجل صديقه. يدفعه شوق كبير لاصطياد أكبر عدد من الفتيات، فهما ذاهبان إلى أحد المجمعات التجارية الكبيرة. تعد هذه الرحلة بالنسبة إلى كليهما واقعاً روتينياً، فلا يمر أسبوع من دون أن يقوما بمثلها مرات عدة. ينزل الشاب مسرعاً وقبل أن يهم بالصعود يسأله صديقه:"هل جلبت قلماً؟"يضرب جبينه بكف يده. يحاول العودة مسرعاً إلى داخل المنزل. لكن صديقه يصرخ به مرة أخرى مقترحاً شراءه من السوق. يمضيان بكامل أناقتيهما، ويتذكران معاً ما حدث في آخر زيارة لهما إلى ذلك المجمع التجاري... هل من الممكن أن يعثرا على الفتاة التي أعجبا بها قبل أسبوعين؟ كان ذلك زمن"الترقيم"بواسطة الورقة والقلم. زمن"الترقيم المدوّن". أما الآن فهو زمن الاتصالات الذكية و"الترقيم"من بعد! في هذا الملف تُروى خطط"المعاكسة"المجنونة. وفي الحلقة الأولى تحديداً تُروى خطط وابتكارات جديدة. خطط تختلف عن ماضٍ كان يعتمد فيه على الورقة والقلم ونظرة الإعجاب للوصول إلى الهدف. لم يعد الشاب"المعاكس الجديد"يحتاج إلى المخاطرة في سبيل إيصال رقم الهاتف إلى الفتاة المطلوبة. لم يعد في حاجة إلى وضعه في أي مكان بارز تمر الفتاة إلى جواره، أو المخاطرة أكثر بوضعه في الكيس أو الحقيبة التي تمسك بها الفتاة. لم يعد الشاب عرضة إلى استنكار الفتيات وشتائمهن. حتى الرقم المميز الذي يسهل تلقينه للفتاة، لم تعد هناك ضرورة له. هناك تقنيات البلوتوث وغيره. في الحلقة الثانية، يتكلم الطرف الآخر المعني أكثر بالأمر. تتكلم الفتيات. يتكلمن عن مدى قبولهن للظاهرة. بعضهن يعترف. أما في الحلقة الثالثة فهناك جانب آخر. هناك إحصاء من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهناك الشرع. وهناك طرق جديدة للمعاكسة أيضاً، لكن الذين يمارسونها هم مثقفون وأدباء. هناك ما يستحق أن يقرأ. ربما... لا تصدقوهم ... السيارة ليست للبيع !. وسائل حديثة و "بزنس كارت" ورقم مسجل على فئة ال 500 ريال "سجل رقمي عندك"وبصوت مرتفع يبدأ بسرد الرقم. هذه إحدى وسائل الشباب في اختلاق مكالمات وهمية لسرد رقمه على مسمع الفتاة بشكل غير مباشر، وهو فن جديد من فنون"المعاكسة"الاحترافية التي تصحبها ابتسامة خبيثة موجهة للجهة المعنية، يرافقها عبث متعمد بياقة الثوب أو القميص، أما الشماغ فمع"النشا"المبالغ يبقى بلا حراك، وسيكون حتماً على أهبة الاستعداد لل"معاكسة"مع سكبة مفتعلة وعطر نفاذ، أو قد يكون بنطالاً متدلياً وشعراً بال"جل". أما في المجال التقني ف"البلوتوث"سيد الفنون، فبدل أن يسجل اسماً فقط في الإعدادات، سيطبع رقمه إلى جانب الاسم ليستعرضه عن طريق تشغيل"البلوتوث"في المجمعات والأماكن العامة، لصيد"على الكيف". من ناحية أخرى، برزت فنون أخرى لل"معاكسة"فهي متقدمة بتقدم التقنية، فعصر"الإيميل"هو نفسه عصر ال"معاكسة"الحديثة وفنها الاحترافي، إذ أصبح ملصق"الإيميل"على جوانب السيارة، إضافة إلى خطوط الموضة وتمويه التواصل عن طريق"الإيميل"، كما لا يخفى على الجميع ممن فهموا رموز جيل الشباب القادم بقوة من خلف ستار التقاليد، أن رقم الجوال المطبوع على خلفية زجاج السيارة مع جملة مرادفة"للبيع"، ما هي إلا تمويه لفن"معاكسة"جديد وحتماً للمعنيات فقط، بيد أن السيارة ليست للبيع أبداً! في مقهى حديث يقع في أحد أركان مجمع تجاري شهير في المنطقة الشرقية، يقبع عدد لا بأس به من الشبان، الذين يرمون بثقلهم على كراسي المقهى بعد تمشيط المجمع، حيث ينتظرون إطلالة فتيات من المارة لتتبعها كلمات الغزل والتعليقات، التي حفظتها أولئك الفتيات عن ظهر قلب كما تقول إحداهن، تعليقاً على كلمات الغزل التي أصبحت مسجلة في أجندة ال"معاكسة"الدورية للشبان. "السكبة"في الثوب والشماغ، وقلم فضي في جيب الثوب، وجهازا جوال، أحدهما"آخر إصدار"والثاني شريحة من دون اسم لزوم ال"معاكسة". هذا النوع من الشبان تتراوح كلماته بين أغنيات خليجية"سرى الليل وحنا ماسرينا"وأشعار الفيصل وأغنيات خالد عبدالرحمن، وغزل عربي ما بين عيون المها و"غزال والله... يا ويلي". الغريب أن نوع ال"معاكسة"وكلماتها تختلف من لابسي الثوب إلى المندسين في بناطيل"الجينز"، وقصات"السبايكي"وال"دي قراديه"بشعر طويل. فالنوع الأخير يمتلك حس"إنريكي إجليسياز"ويحفظ كلمات أغاني"ريكي مارتن"و"جستن"وفريق"باك ستريت بويز"، لذا تختلف اللغة ما بين الإغراء وفتحة القميص والبنطال المنسدل، وطريقة المشي المبالغ بها في الترنح يمنة ويسرة، والأغرب من ذلك أن العلاقة تبدو شبه معدومة ومتنافرة بين الصنفين. في إطار الحديث عن فنون"المعاكسين الجدد"تقول سارة عبدالرحمن، إحدى الفتيات اللاتي عانين من نقص أوكسجين الحرية في المجمعات التجارية:"وقعت في هول الصدمة ذات يوم، صرخت بأعلى صوتي، إذ تخيل إلي أن ذلك الشباب ينوي بي شراً. كنت أمشي في أحد المجمعات التجارية لأفاجأ بشاب تمتد يده إلى الكيس الذي أحمله، وبكل سماجة ووقاحة فتح الكيس ووضع رقمه ورمقني بنظرة رخيصة". وتضيف:"لم أتمالك نفسي، فصرخت وضربته بالكيس بكل قوة، والعجيب أنه لم يتأثر بل ضحك ومشى وهو يردد الرقم بالكيس". هذه قصة ليست بالجديدة نسبياً، فهناك دائماً جديد في عالمهم، وتقول لمى حسين:"البلوتوث بالطبع هو الرئيس في عالم المعاكسين، فقد يرسل صورة رومانسية مثلاً، ومن ثم بعد لحظات فقط يتبعها الرقم مضمناً جملة ياريت ما تحرميني الليلة من سماع صوتك وهكذا". من يعرف ألاعيب الشبان أكثر من البنات؟ بالفعل لا أحد سواهن. فالحديث عن ذلك لا يجيده سواهن، وتروي فاطمة محمد موقفها بالقول:"هناك صيحة جديدة في عالم المعاكسين، وهي عبارة عن تصميم بطاقة يطبع عليها كلمات وأشعاراً رومانسية ورقم الجوال مع الاسم، وحدث أن شهدت تمزيق إحدى بطاقات الشباب أمامي من إحدى الفتيات". وتستكمل ضاحكة:"ولكنه عاد ليشتمها بردة فعل عنيفة وكلمات بذيئة، بكل ما في قاموس الشبان من شتائم"، وهو يقول:"هذا الكرت يسوى قد اللي عليك وأكثر". ففهمت بأن البطاقة غالية ومتعوب عليها، وبعضهم يلحقه بشريحة سوا أيضاً. أما نوف سالم فلها معلومة أخرى تستحق التأمل إذ تقول:"هناك أسلوب فظيع في المعاكسة، وهو محاولة إغراء سائق البنت الشخصي بالمال إذا لم يتمكنوا منها، أو التهديد للحصول على معلومات عنها أو حتى رقم جوالها، وإذا كان السائق جباناً أو غير أمين فسيفعل وتروح فيها البنت". وللشبان اعترافات خطيرة أيضاً، يقول فيصل عبدالله:"انتشرت ظاهرة المبالغ المادية كعربون صداقة وتعارف مقدم، ولا تزال حتى الآن موجودة، كأن يكتب على مبلغ 500 ريال رقمه واسمه ويهديه للبنت". ويؤكد فيصل أنه لم يجرب هذه الحركة ولكن"لي صديق مغامر من هذه الناحية، وكثيراً ما يفعلها وقد تنجح معه بأن تأخذ الفتاة المبلغ وتختفي بعد ذلك ويتعرض للسخرية". أما نورة عبدالعزيز فتعلق في هذا الصدد قائلة:"حدث في وقت قريب أن كنت وصديقاتي في مطعم، وعند اقتراب مغادرتنا فوجئنا بشاب يدفع الفاتورة ويتركها على الطاولة مضمنة رقم جواله، فتركناها على ماهي عليه ورحلنا وملامح الغضب مسيطرة على وجهه، بينما سرنا بنظرة ساخرة". حكايات المعاكسة لا تنتهي عند حد، وروايات الفتيات عن الشبان كثيرة واعترافاتهم أكثر. ماذا عن اتهام الشبان الفتيات ب "المعاكسة" ؟ يزعم فهد خالد أن"معاكسات الفتيات للشبان بدأت تظهر منذ مدة، فالفتاة الآن لها نصيب من المعاكسات". ولكن ما صفة هذه المعاكسات؟ يستكمل فهد:"كنت في أحد المجمعات، وإذا بفتاة تروح وتجيء أمامي بابتسامة غريبة ونظرات إغراء وماكياج صارخ، في الفترة التي كنت أنتظر فيها انتهاء أهلي من التسوق. تعجبتُ وظللت مكاني من دون حراك، ولكنها كانت مصرّة على المرور كل دقيقة، وعندما ملّت جلست بالقرب مني وأرسلت لي بلوتوث تطلب مني الرقم!". وأضاف:"تركتها وغادرت المكان بعد أن استنكرت تصرفها، فكيف يصدر هذا الأمر من فتاة؟ ما يعني انقلاب المعادلة". أما علي عبدالله فمتحامل على أوضاع بعض الفتيات في الآونة الأخيرة، ويقول:"بعض الفتيات وعددهن قليل جداً مقارنة بأعداد الشبان، بات من الطبيعي أن نراهن في الأماكن العامة يرمقن أي شاب وسيم بنظرة تصحبها ابتسامة تعني أنها معجبة، خصوصاً إذا تكررت اللفتات التي قد تلفت نظر الشاب إليها، وهذا بحد ذاته معاكسة". ولكنه يستدرك بابتسامة وشعور بالحرج:"هي حركات بريئة مقارنة بأحوالنا".