مشهد دراماتيكي ذلك الذي يظهر على الواقع الإسرائيلي - الفلسطيني، ويبدو أن هناك جهوداً خفية بذلت لإعداد المسرح بعد توصل اللاعبين الرئيسين، وعلى رأسهم أميركا، إلى أن القضية تحتاج إلى خيال سياسي خلاق ومغاير للخروج من المأزق. ربما بدأت القناعة بعد قرار شارون الانسحاب من غزة إذ ظهر أن قوة على الأرض الفلسطينية لا يمكن تجاوزها، بل إنها الأكثر فاعلية، وربما الشريك الذي طالما بحث عنه الإسرائيليون منذ اتفاقات أوسلو وما تلاها. كانت"فتح"اللاعب الرئيس والوحيد على الساحة الفلسطينية، ولكنها كانت مختزلة في شخص وكريزما ياسر عرفات، وما أن غيّب إلى أن غاب حتى وجدت إسرائيل نفسها في المأزق الذي صنعته. السلام أصبح مطلباً حقيقاً ولا بد منه من وجهة النظر الدولية. أميركا أعلنت مبدأ الدولتين، والعرب قدموا كل التنازلات المطلوبة ممثلة في مبادرة السلام العربية التي تبنتها قمة بيروت، والإسرائيليون حصلوا على كل ما يريدون من أميركا، فشارون هو رجل السلام، ولا عودة إلى حدود 67. لكن بعد غياب عرفات لم تعد"فتح"كما كانت. وهنا لا بد من التصور المؤلم. إنها"حماس"و"حماس"فقط مَن يستطيع التعامل مع المرحلة، فالسلام يصنعه الأقوياء، وليس الشجعان فقط، ولتنفيذ ذلك لا بد من إعداد الساحة داخل طرفي الصراع. فلسطينياً، بدأت المسألة منذ إعلان الرئيس عباس موعد الانتخابات التشريعية والإصرار عليه، وذلك لم يكن ليتم لولا دعم ومساندة دولية وغض للطرف من جانب إسرائيل. وعلى مدى الأشهر السابقة للموعد المقرر كانت الساحة الفلسطينية تشهد عملاً دؤوباً لا يخفى على المراقب بهدف خلخلة"فتح"من الداخل، وإذكاء الصراعات بين الأجنحة المستفيدة فيها، وحدوث مناوشات عسكرية وكلامية، وظهور قوائم انتخابية متنافسة واعتداءات على المقار، وغير ذلك الكثير من ما شتت الجهود الفتحاوية، وبالتالي أنهكت حدّ الإضعاف. على عكس"حماس"التي ظهرت موحدة ومتماسكة وجهودها مركزة دؤوبة حتى نالت النصر الانتخابي الذي فاجأ الجميع. الساحة الإسرائيلية شهدت ترتيبات أيضاً هدفها تركيز قوة شارون حتى يستطيع التفرد بالقرار الإسرائيلي من دون عوائق من القوى الإسرائيلية المناوئة له، فكان لا بد من إضعاف"الليكود"أيضاً، والحل يكمن في انشقاق شارون وفريقه المتضامن عن حزب"الليكود"وتأسيس حزب أكاديما الذي يجب تقويته بضمّ عناصر ذات نفوذ سياسي من الأطراف الإسرائيلية الأخرى أمثال بيريز. وحدث ما كان، وتم الإعلان عن انتخابات تشريعية مبكرة في إسرائيل يؤمل من خلالها إيصال غالبية مريحة ل"أكاديما"في الكنيست تسمح لشارون بإطلاق يده والمضي في القرار الدولي للتسوية. المسرح يشهد ظهور الممثلين الأقوياء لكلا الطرفين اللذين يستطيعان الجلوس على طاولة السلام. ولحلحلة مأزق الاعتراف ب "حماس"لا بأس من إدخال الممثلين الروسي والفرنسي إلى المشهد لتبريد الواقع الدرامي في محاولة لتأهيل"حماس"وسحبها إلى نقطة المنتصف، والتلاقي بالحصول على التنازلات المطلوبة التي بدأت"حماس"في التجاوب معها تدريجياً. ولكن المفاجآت تحدث أحياناً من دون حساب، فها هو البطل في المشهد الإسرائيلي شارون يغيب قدراً، فهل من بديل لإكمال الدور يتمتع بالمواصفات نفسها، لا ندري، ولكن الخيال السياسي قادر على إيجاد مخرج مناسب علنا نشهد هذا العام بداية النهاية لأعقد قضية سياسية في التاريخ الحديث، غير أني أتوقع أن المشهد الأكثر درامية لم يظهر بعد، فعلى الجانب الإسرائيلي نحتاج إلى وقت ليتم تجهيز بديل شارون. وفي الجانب الفلسطيني سيحدث التصادم المتوقع بين الرئيس الفلسطيني عباس وحركة"حماس"بما يؤدي إما إلى استقالة عباس وحدوث انتخابات رئاسية مبكرة أو الاستمرار في مناكفة حتى يحين موعد الانتخابات الرئاسية، وفي كلتا الحالين سيكون خالد مشعل هو مرشح"حماس"للرئاسة في مواجهة محمود عباس أو أي مرشح آخر من"فتح". لا شك في فوز خالد مشعل، وعندها يكون القرار الفلسطيني كاملاً في أيدي حركة"حماس"، ما يساعد على اتخاذ القرارات الصعبة، وإلى ذلك الحين سنكون في مقاعد المتفرجين لنراقب المشهد. * كاتب سعودي.