وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات. في الحج أبعاد تربوية، إضافة إلى الأبعاد الأخرى سواءً كانت دينية أو سياسية أو اجتماعية أو نفسية وغيرها. ما يهمنا هو إبراز بعض الأبعاد التربوية التي تتضمنها فريضة الحج ومنها: أن يتعود المسلم دوماً أن لكل عمل ولكل أمر حدوداً معينة لا يجوز تجاوزها، بل إن تجاوزها قد يكون من الخطورة بمكان، إذ ينعكس أثره على صحة العمل نفسه، يتضح ذلك من خلال النهي عن تجاوز المواقيت من دون الإحرام منها إذا نوى العبد الحج أو العمرة، ومن تجاوزها فإنه يجب عليه أن يعود إليها ويحرم منها، وإلا فعليه دم، فعن ابن عباس ? رضي الله عنهما ? قال:"وقّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم. قال:"فهن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، لمن كان يريد الحج، أو العمرة، فمن كان دونهن فمَهَلَه من أهله، وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها". وقبوله عند الحق سبحانه. - التعود على حب النظام والانضباط، وهي من صفات المسلم، وجميع شعائر الحج تؤكد ذلك، فنجد مثلاً أن لهذا الركن العظيم أركاناً أربعة هي: الإحرام، وطواف الإفاضة، والوقوف بعرفة، والسعي بين الصفا والمروة، فمن ترك ركناً لم يصح حجه، ولا يتم إلا به. * تستشعر النفس معنى رفيعاً وهو قضية جهد الإنسان في التغيير وفعاليته في صنع الأحداث. - الحج فرصة للتأمل والتدبر، فعندما يرنو المسلم إلى هذه الأعداد الغفيرة من كل جنس ولون، ومن كل أرض وصقع، ومن كل لسان ولغة، وكيف توحدت في زيها، وفي خطواتها ونداءاتها. - أهمية التنظيم، وهذه تبدو واضحة في كل أعمال الحج، ففي وقت معين وفي أماكن معينة تسير الجموع التي قد يزيد عددها على المليونين في سلاسة وفي يسر وفي نظام عجيب ومعجز، من دون تبديل أو تحريف. - في الحج يتضح دور المسلم بأن عليه البلاغ، والله سبحانه وتعالى يرعى النتائج، والذي يستلهم من دعوة الخليل عليه السلام وهو يقف وحيداً ويؤذن بالحج، كما أمره الحق ? سبحانه ?"ناد وعلينا البلاغ"، فتكون النتيجة هي هذه الجموع التي لا تُحصى، والتي تأتي من كل حدب وصوب، حتى قيام الساعة، مشاة وراكبين، وكلهم شوق وبقلوب تهوي إلى هذا المكان الطاهر. - عدم الاغترار بالتجمعات الغثائية، فلنتأمل ذلك الفارق الشاسع بين ثقل تلك الأعداد القليلة التي كانت تطوف معه"صلى الله عليه وسلم"وأثرها في صنع أحداث الكون حولها، ودورها في صنع حركة التاريخ، وبين ثقل هذه الجموع المعاصرة، وهم يطوفون الطواف نفسه، ويرددون الكلمات نفسها، ولكن أصابهم مرض العصر، مرض الغثائية، أو الإمعية، وهي مرحلة القصعة التي حذر منها صلى الله عليه وسلم:"يوشك أن تتداعى الأمم عليكم، كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يؤمئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. قال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت". - أن يكون سلوك المسلمين وحركتهم بمنهجهم عنواناً يرد كيد الأعداء، ويطمس الشبهات، ويزيل الإشاعات، فالإشاعات تؤدي إلى الوهن الباطني، والهزيمة الداخلية النفسية. فعندما نتأمل مشروعية"سنة الرّمَل"في الأشواط الثلاثة الأولى، ندرك مغزى حرصه صلى الله عليه وسلم على إزالة الشبهات والإشاعات التي رددتها اليهود حول حمى يثرب التي أصابت المسلمين. - مراعاة الطبيعة البشرية، بعدم تكليف الإنسان المسلم بما لا يطيق. فلو تأملنا جلسات الاستراحة الإيمانية المتعددة، والتي تأتي على هيئات مختلفة عملاً ووقتاً، مثل يوم التروية قبل الخروج إلى عرفة، والمبيت بالمزدلفة قبل أعمال يوم النحر الشاقة من رمي ونحر وحلق وطواف. لوجدنا أن هناك مراعاة للطبيعة البشرية، وكذلك يدل على يسر هذا المنهج وواقعيته وملاءمته للجميع. يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر البقرة: 185. - ربط الأمة بتاريخها الناصع، وتذكيرها بجذورها، وأصالتها تذكرة دائمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها. فعندما يتأمل الحاج أنه قد كُتب عليه السعي على النهج نفسه وبالخطوات التي قامت بها أم إسماعيل ? عليهما السلام ? نرى أن الله"عز وجل"يريد أن يذكر كل مسلم، أن هذه الأمة واحدة، لأنها تملك كل مقومات هذه الوحدة. من جذور تاريخية، وأرض، وأفكار موحدة، وأنها تتجذر في التاريخ عمقاً يربطها بأبي البشر آدم، وأبي الأنبياء إبراهيم ? عليهما السلام. - أنه كتب على ابن آدم عامة حظه من الكد والنصب: لقد خلقنا الإنسان في كبد البلد: 4، وأن الإنسان مخلوق مبتلى: إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً الإنسان: 2. والمتأمل في قصة هاجر عليها السلام ووليدها، وكيف أن الماء نفد لتتعرض هي ووليدها الحبيب لهذه المحنة العظيمة التي تضطرها للسعي والركض الشاق والمتكرر، يدرك أنه لا بد من الجهد من أجل الاختيار والتمحيص، ومن أجل التمييز والانتقاء. وهذا المبدأ ? مبدأ الابتلاء ? لم يُستثن منه أحد، حتى هاجر الصابرة الممتحنة ووليدها ? عليهما السلام ? بل كل الأنبياء"عليهم السلام"والصالحين والمصلحين على دربهم. - إن ركيزة التجميع لهذه الأمة هي كلمة التوحيد، فهي الفكرة الربانية التي رشحها الحق"سبحانه وتعالى"لأن تجتمع عليها الأمة. ففي توجه الحجيج إلى عرفات تحت راية التكبير والتوحيد والتهليل يفهم منه أهمية الفكرة الربانية ودورها. - مكانة المرأة في الإسلام، ودورها الحضاري. إن السعي بين الصفا والمروة، هذا العمل الذي يقوم به كل حاج ومعتمر، يكاد يكون بكل دقائقه هو ما قامت به هاجر ? عليها السلام - نفسه، وكأنها رسمت الخطا للاحقين في كل عصر وفي كل جيل، فلا تتم لهم عمرة ولا حج إلا به، وكأننا بالحق"سبحانه"يريد أن تظل تلك القضية ودروسها حية دوماً في وجدان الأمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها. - التخلق بخلق المساواة والعدل والتسوية بين الأفراد وعدم التمايز الذي من شأنه أن يمنع تولد الحقد والبغضاء والحسد. - الاستشعار بمدى أهمية تنقية النية وتصفيتها، فإذا كانت الغاية هي الله"سبحانه وتعالى"فيجب ألا تختلط بغايات أو رايات أخرى. م. جوهرة الصقر كلية التربية للبنات في الأحساء - الأقسام الأدبية