تتحرك الأوراق النقدية أمام أعين ع.ع وهو يسمع صوتها ترتطم الواحدة بالأخرى بين أصابعه بطريقة أوتوماتيكية تجمعت عنده بعد سنوات من عمره ووظيفته التعليمية التي علمته العد وجدول الضرب والقسمة وحساب الأرباح والخسائر، موسيقى الأوراق النقدية ومنظرها الأخّاذ اللذيذ، لم يقطعا فكره وهو يتذكر أنه عمل في وظيفته الحكومية وقارب التقاعد لكنه لم يصبح من أصحاب الثروات، كما كان يحلم في صغره، لكن - ويبتسم ابتسامة فيها نوع من المكر والدهاء ? أحسن مشروع استثماري قام به، هو زواجه من"معلمة"الله عليك يا أم محمد إذا انتهى الشهر وأعطيتني الشيك وأنت تقولين لي سم يا أبو محمد، يا أم محمد "الخير قادم في الطريق، والفقر راح، والزمن تغير، وهذه الخمسة آلاف ريال التي استعدتها من أخي بعد أن ماطلني فيها كثيراً رجعت وغداً سأضمها مع بقية المبلغ لتكون عندي 100 ألف ريال، أغامر فيها مغامرة العمر! نعم المغامرة كبيرة، لكن أنا لست فأر التجارب بل تريثت وشاهدت وسألت عن شركات استثمار الأموال حتى وصلت لمرحلة اليقين أنّ المال فيها أمان، والأرباح ستأتي بعد ستة أشهر بالضبط. تخلص ع.ع من أي خوف تسرب إلى نفسه أو تشكيك وقلّل من قيمة التحذيرات التي قرأها في الجرائد، نحن أذكياء لا تؤثر فينا مثل هذه التحذيرات فالتجربة خير برهان، فما دام الناس حققوا أرباحاً فحشر مع الناس عيد. بعد شهرين من عملية المغامرة المحسوبة والمحسومة النتائج، جرت الرياح بما لا يشتهي ع.ع وانقلبت الرباح إلى خسارة فادحة، نحن هكذا، نحب هذا النوع من المغامرات وننجرف وراءه، ولا نتوب، والمشكلات التي من هذا القبيل تقع أحياناً بشكل وبائي، وفي عائلة واحدة تجد أكثر من مصاب، ولعل خسارة أكثر من 50 فرداً ومن عائلة واحدة في مساهمة شركة خليجية وهمية وبمبلغ طائل وبالملايين شاهد آخر، والرحى تدور وتطحن المزيد من الطامعين، تلك المأساة التي خرج بها الناس من شركات توظيف الأموال لم يتوبوا منها بل لملموا جراحهم بعدها ودخلوا في منافسة حامية الوطيس ومع سوق الأسهم التي لا يعرفون أدبياتها ولا طريقة التعامل معها ومن دون أدنى ثقافة دخلوا برؤوس أموالهم، بل وبقروض بنكية في تلك الأسهم ليخرجوا بجراح جديدة غيرت من واقع بعض الأسر والمستوى المعيشي الخاص بها وقلبت وغيرت من تركيبة المجتمع لتهوي بأناس إلى الفقر ومد اليد! ولا ندري ما تخبئه الأيام من مفاجآت، خصوصاً باستثمار الأموال وحلم الثراء السريع الذي يداعب أخيلة أناس كثر، وفي انتظار ضحايا جدد لتلك المغامرات التي أصبحت سمة من سمات هذا الجيل المندفع وراء الأحلام. [email protected]