إن الذهاب لأداء العمرة والتمتع بالأجواء الروحانية والصلاة في الحرم الشريف، شيء يسعى إليه كل مسلم ومسلمة، في كثير من الأحيان نذهب للحرم مشياً على الأقدام، وأثناء ذلك نصادف أنواعاً وإشكالاً من الأطفال والشباب المتسولين في كل مكان، لكن مشكلة التسول ليست هي التي تؤرق البال، لكن الأكثر ألماً ما نشاهده من إعاقات تدمى لها القلوب، وعاهات أطفال وشباب في عمر الزهور، بترت أيديهم وأرجلهم وأعضاء أخرى لا تعوض من أجل حفنة نقود. أثناء ذهابي للحرم صادفت طفلاً متسولاً في عمر الزهور، عمره نحو 12 عاماً، يجلس على قطعة كرتون في الطريق، قدماه وساقاه مشوهتان بطريقه وحشية، جلست لأحادثه وأعطيه بعض النقود، وكنت مشفقة على حاله، فسألته من الذي فعل بك هذا؟ ووعدته أن نكون أصدقاء، في البداية بدأ يراوغ في الأجوبة، ثم بدأ يثق ويتكلم كلمات قصيرة وحزينة وشجعته على التحدث معي وأحسسته بالطمأنينة، فكان يتحدث وهو يلتفت كثيراً وعيناه تغرورقتان بالدموع، ومن بعيد كانت امرأة عجوز تراقبنا مراقبة حذرة، فاتفقت مع الطفل ألا يخبرهم بما قلت له، وعندما تركته اعترضتني العجوز قائلة لي: هذا ابني، ماذا تريدين منه؟ كانت تتكلم بخبث ونظراتها غريبة، فقلت: لها انه يغني لي، وفي اليوم التالي أكملت حديثي معه، إذ وجدته في مكان ليس بعيداً من الأول، وقلت له ألا تتمنى أن تكون مدرساً أو طبيباً أو مهندساً، فقال: بلى، فقلت له: من هذه المرأة؟ أهي أمك؟ فبدأ يلتفت وعيناه ممتلئتان بالدموع، وكان يريد أن يتحدث لكن العجوز عادت للمراقبة عن كثب فوجدته خائفاً جداً، فأعطيته النقود وانصرفت، على أن أكمل الحديث معه في ما بعد، فاعترضتني العجوز مرة أخرى، وقالت لي السؤال السابق نفسه، وكانت أكثر خبثاً وحدة، وفي اليوم التالي لم أجد الطفل في المكان المعتاد نفسه، وبحثت عنه فلم أجده. لقد دار في فكري تساؤلات كثيرة، هي ما جعلتني أكتب عن هذا المنظر المحزن الذي تألمت له كثيراً، وصدقت ما رأيته في مقطع الفيديو، وهم يقومون ببتر أعضاء الأطفال وتشويههم، فجن جنوني، وهالني المنظر البشع الذي أتعبني كثيراً، إنها طريقة وحشية التي تُمارس مع الأطفال وأعينهم معصوبة وأيديهم مربوطة وتبتر أطرافهم بطريقة لم أر مثلها في حياتي. يا عالم أين حقوقهم المشروعة؟ وأين منظمات حقوق الإنسان؟ وأين وزارة الداخلية السعودية من هؤلاء؟ وأين منظمة حقوق الطفل؟ من يحميهم من هذه الوحشية التي يتعرضون لها؟ هل من حل لما نشاهده بجوار الحرمين الشريفين، فالمشكلة لم تعد مشكلة تسول فقط، إنها مشكلة إنسانية تدمى لها القلوب، وهذا ليس بجديد فمنذ قديم الزمان والناس تشاهد هؤلاء الأطفال ولا مجيب لهم، إنه نداء للمسؤولين وأولي الأمر، فهل من مجيب؟ حور آل رشيد - الرياض