لم تقتصر نتائج انهيار أسعار الأسهم معظم فترات السنة الحالية على المضاربين والمستثمرين فقط، بل امتدت الى بعض المصارف والمؤسسات المالية والشركات التجارية، التي تزايدت فيها حالات الاختلاس، ونقص العهد المالية في شكل ملحوظ، خلال الأشهر الستة الماضية. ويبدو أن بعض منسوبي هذه الجهات تورطوا في محاولات فاشلة لاستثمار بعض المبالغ في السوق لفترات قصيرة، لكنهم خسروا معظمها، ووقعوا في دائرة نقص العهد والاختلاس عند التفتيش الدوري الذي تنفذه المصارف والشركات، على منسوبيها من الصرافين وأمناء الصناديق ومسؤولي المحاسبة. ويقول مصرفي سعودي من الخبر شرق السعودية:"تواجه المصارف باستمرار قضايا نقص العهد المالية، أو عدم مطابقة النقدية لدى الصرافين، ولكن بمعدلات قليلة، وضمن نسب المخاطرة العالمية المقبولة. ومعظمها يتم اكتشاف أسبابها العائدة إلى الخطأ والنسيان، أو أخطاء العملاء". وأضاف:"منذ جاءت موجة الأسهم ومعدلات رصد الاختلاسات تتزايد بنسب ملحوظة، لكن بعض القضايا تتم معالجتها بتدخل من العملاء أصحاب الحسابات، الذين نكتشف أنهم يعطون موافقات شفهية للموظفين للمضاربة بأرصدتهم في الأسهم، أو يعطون أرقامهم السرية لمحافظهم للموظفين". وترصد المصارف أحياناً حالات متناقضة، إذ يغض بعض العملاء الطرف عن مخالفات الموظفين إذا حققوا لهم أرباحاً في المضاربة، بينما يتذمرون ويشتكون الى إدارات المصارف في حال تحقيق خسائر، الأمر الذي يزيد حالات الاختلاس المرصودة". وأوردت الصحف السعودية خلال الأسبوعين الماضيين أربع حالات اختلاس في ثلاثة مصارف مختلفة، ربما كان بعضها ناجماً عن مشكلات الاتفاقات الشخصية بين الموظفين والعملاء. وتعاني بعض الشركات التجارية من تصرف بعض أمناء الصناديق ومسؤولي النقدية في بعض المبالغ، رغبة منهم في استثمارها في السوق في مضاربات سريعة، ومن ثم اخذ الأرباح، وإعادة أصول المبالغ إلى العهدة، لكن السوق بتذبذباتها الحادة كشفت بعض هذه الحالات، وأفقدت بعض هؤلاء الموظفين وظائفهم ومستقبلهم، قبل ان يُزج ببعضهم في السجون. وذكر اختصاصي الرعاية الاجتماعية الدكتور خالد شريفي ل"الحياة"أن"الطفرات الاقتصادية المفاجئة، او الانتكاسات الاقتصادية المفاجئة، غالباً ما تحمل معها ظواهر اجتماعية، للأسف لا يتم رصدها علمياً في منطقة الخليج والعالم العربي إجمالاً". وأضاف أن الضغوط الاجتماعية وأحلام الثراء السريع التي تسيطر على عقليات بعضهم، إضافة إلى إلحاح الزوجات والأبناء، تقود بعض الموظفين الى مخالفة الأنظمة، وربما يدفعون الثمن غالياً من مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، مؤكداً أن عيادته في أحد المستشفيات الحكومية تتلقى مزيداً من حالات العائلات التي فقدت عائلها بسبب جرائم مالية، كانت النسبة العظمى منها خلال العامين الماضيين، بسبب سوق الأسهم. وتحاول المصارف والشركات إيجاد حلول للاختلاسات الصغيرة لا تؤدي إلى فصل الموظفين، أو سجنهم، خصوصاً عندما يشفع بعض العملاء لموظفين معينين، أو تشفع لهم مدد خدمتهم الطويلة، التي تغطي أحيانا كامل المبالغ المسجلة عليهم في العهدة. وتشهد السعودية وبعض دول الخليج مظاهر تغير اجتماعي، وتغير في الفكر الاستثماري، نتيجة لطفرة الأسهم التي شغلت الناس والحكومات والمصارف والجهات الرقابية على حد سواء.