أثار كتاب"الرسوم الممنوعة"الصادر اخيراً عن دار العالم الثالث في القاهرة لرسام الكاريكاتير المصري الشهير جورج البهجوري ضجة كبيرة في اوساط رسامي الكاريكاتير المصريين، وقد توقفوا امام عبارات وردت في الكتاب وحملت نبرة اتهامية طاولت بعض رموز الكاريكاتير في مصر وخصوصاً صلاح جاهين المتهم هو وبعض رسامي مؤسسة روز اليوسف - كان البهجوري من بين أقطابها المؤسسين - باعتماد موسوعات غربية في رسومهم وهو امر أغضب اسرة جاهين ودفعها لمناشدة الرأي العام المصري التدخل لإنصاف الشاعر والرسام المصري الشهير. يبدو ان البهجوري ارتاح لحصر قيمة كتابه في هذا الملف فقط, لأنه مكن القراء في الوقت ذاته من الاطلاع على رسومه الممنوعة وتقييمها, على رغم ما يتضمن الكتاب من تأملات ورؤى لافتة سواء تلك المرتبطة بنظرته الى دور فن الكاريكاتير وطبيعته او في الاجزاء التي يقارن فيها بين وضع فن الكاريكاتير في الثقافة العربية ومكانته في الغرب. وهناك مجموعة من الثغرات التي يلحظها القارئ في بناء الكتاب من الناحية الفنية اذ يقفز صاحبه من الخاص الى العام, ناهيك برغبته الدائمة في اطلاق الاحكام التقويمية التي تحصر تأملاته في معناها الذاتي ولا تطلقها الى آفاق أرحب. ولذا فضل بعضهم النظر الى الكتاب كوثيقة تعبر عن ازمة يعيشها صاحبه الذي قدم من قبل نصين في السيرة الذاتية والروائية هما"أيقونة فلتس"و"بهجر في المهجر". يبدأ الكتاب ببعض التأملات حول المسار التاريخي لنشأة الكاريكاتير في الحضارات القديمة على اعتبار ان هذا الفن الانتقادي بدأ مع بداية الانسان ذاته بحسب رأي البهجوري الذي يشير الى بعض الاشكال الضاحكة التي تم العثور عليها على جدران الكهوف والمعابد في حضارات مصر القديمة او في الحضارة السومرية والاشورية، وهي تتميز بطابعها القائم على المبالغة او الرمز اضافة الى عنصر الرشاقة في تلك الرسوم التي توحي بالطرافة ويرى صاحب"بهجر في المهجر"في كتابه الجديد ان المبالغة في هذا المعنى تراجعت في العصور الوسطى حيث كانت الرهبة الدينية تحد من رغبات فناني عصر النهضة خوفاً من ان تفسر المبالغة في أنها انحراف وتشويه. ولذلك تحددت مرحلة التصوير الزيتي في الكنائس في عنصر واحد من عناصر المبالغة وهو تغيير النسب حيث تبدو أجساد القديسين مستطيلة اكثر من اللازم. وهذه المبالغة يعتبرها البهجوري نوعاً من الكاريكاتير"الرومانسي"بحسب تعبيره, مؤكداً ان الفنان الفرنسي اونوريه دومييه 1897 - 1808 هو الأب الروحي لفن الكاريكاتير المعاصر، وينتهي من تأملاته في هذا السياق الى القول إن من الخطأ الظن بأن الكاريكاتير هو فن التشويه فقط فهو أيضاً فن التعظيم والمبالغة . ثم يعرض البهجوري وفي شكل عابر لنشأة وظهور الكاريكاتير وظهوره في الصحافة المصرية في النصف الاول من القرن الفائت قبل ان يتوقف امام شذرات من سيرته الذاتية وسنوات طفولته في صعيد مصر، وهي السنوات التي بلورت موهبته قبل التحاقه بكلية الفنون الجميلة ثم عمله في الصحافة. ويخصص صاحب"الرسوم الممنوعة"جانباً كبيراً من كتابه لهجاء رؤساء التحرير الذين عمل معهم لانهم حرموه من هوايته وحريته في رسم وجوههم, كما يحيي قلة منهم ومن بينهم محمد حسنين هيكل واحمد بهاء الدين وكامل زهيري واحسان عبدالقدوس ومحمود السعدني وسواهم. ويروي قصة اشهر رسم كاريكاتيري قدمه الى الناس في الخمسينات وتضمن صورة مبالغاً فيها للرئيس الراحل عبد الناصر. ويعترف بهجوري بقلة وعيه السياسي في تلك الفترة بل وانعدامه مقارنة بوعي زملائه الذين تعرضوا لمحنة الاعتقال لكنه سعى الى نوع من التحصيل المعرفي اتيح له بفضل ارتباطه بمجموعة الجيل الذهبي من رسامي أو كتاب مؤسسة روز اليوسف. وبجرأة لافتة يلقى البهجوري مجموعة من الاحكام النقدية حول بدايات صلاح جاهين كرسام كاريكاتير، وهي بدايات يرى البهجوري انها بدايات"خجولة"رغم قوة افكارها. ويفسر الظهور القوي لجاهين على صفحات"صباح الخير"كنتيجة لرغبة حسن فؤاد واحمد بهاء الدين في تبنيه مع ان خطوطه مدرسية، وذلك كرد على تبني ابو العينين لموهبة البهجوري الذي يجزم بأن نسبة كبيرة من رسوم جاهين في تلك الفترة منقولة من قاموس يتضمن مجموعة من رسوم كبار فناني العالم جرت الاستعانة بها في فترة التحضير لإصدار"صباح الخير"بهدف اطلاع رسامي المجلة على ما يصدر في الخارج من مطبوعات، لكنه يعترف وبخجل في مواضع اخرى من الكتاب بعبقرية جاهين ونجاحه في تمصير الرسوم واعطائها روحاً محلية وان بقيت فكرته اهم من اداته على قول البهجوري الذي يفشل في تفسير استمرار جاهين ونجاحه في استقطاب القراء. وما ينطبق على جاهين في كتاب بهجوري ينسحب على رأيه في رسوم صلاح الليثي التي نشر معظمها في مجلة"23 يوليو"التي اصدرها محمود السعدني في لندن لمعارضة نظام الرئيس أنور السادات. وهي مجلة يراها البهجوري اهم مجلة كاريكاتير في تاريخ الصحافة العربية المهاجرة، وهي الابنة الشرعية لمجلة"روز اليوسف"التي يرى انها فقدت دورها كمجلة كاريكاتير في الفترة التي تولى الصحافي عادل حمودة مسؤولية تحريرها آخر الثمانينات فهو في نظره"الابن العاق لروز اليوسف, فقد افقدها هويتها ومنحها هوية اخبار اليوم في الاثارة واوقف تيار السخرية بالكاريكاتير بالريشة". ومن بين رسامي الكاريكاتير في مصر يحظى احمد حجازي بتقدير يستحقه من البهجوري الذي يراه"فنان الشعب الكاريكاتيري المصري"ويعترف مؤلف الكتاب بفضل بهجت عثمان في تقديمه للاوساط الصحفية لكنه بقدرة لافتة على اصدار الاحكام يؤكد ان بهجت لم تكن له القدرة الكافية للتعبير بالرسم ولكن من خلال الفكرة كون فلسفته الخاصة ووصلت رسومه الى مستوى كبار رسامي العالم. اما عربيا فينحاز البهجوري للرسام الليبي الزواوي ومعه الجزائري رشيد قاسي والسوريين يوسف عبدلكي وعلى فرزات والفلسطيني ناجي العلي. والى هذه الاراء الحادة القاطعة يخصص البهجوري الجزء الاكبر من الكتاب لرسومه الكاريكاتيرية بصفتها الرسوم الممنوعة من دون ان يوثق تواريخ منعها او يشير في الهامش الى اماكن أو ظروف المنع، ما يفقد الكتاب أهميته كوثيقة تاريخية تؤرخ لصعود الكاريكاتير المصري وهبوطه.