بعدما يزيد على 15 عاماً من فترة التداول المزدوج أو الثنائي الفترة صباحاً ومساء، دخلت سوق الأسهم السعودية يوم أمس، تجربة جديدة تتمثل في تداول الفترة الواحدة، التي أعلنتها هيئة سوق المال في منتصف شهر رمضان الماضي، وبدأ العمل بها منذ تداول يوم أمس السبت. وان كان من المبكر إصدار حكم نهائي على نجاح التجربة من فشلها، إلا أن المراقب لردود أفعال الأفراد أو الجهات المرتبطة بالسوق تداولاً أو رقابة او تقديم خدمة يلاحظ أن وجهات نظرهم تباينت، وأراءهم تشعبت بين مرحب بالفترة الواحدة وممتعض منها لسبب أو لآخر. ولا شك في ان فترة التداول الموحدة التي تبدأ من ال11 صباحاً وحتى الثالثة والنصف عصراً، جاءت على ماتتمناه البنوك التجارية وتشتهيه، وليس سراً ان البنوك التجارية كانت تسعى بكل قوتها منذ أعوام، لإلغاء فترة الدوام المسائية، واستبدالها بفترة دوام واحدة مطولة تمتد من الثامنة صباحاً إلى الرابعة أو الخامسة بعد العصر، أسوة بما هو معمول به في إداراتها الرئيسة، ولهذا فإن التداول الجديد سيعطي للبنوك قوة ضغط إضافية على مؤسسة النقد العربي السعودي، لتعدل دوام البنوك على ماتريده الأخيرة، بعد ان زالت حجة المؤسسة في ضرورة الدوام حتى فترة إغلاق السوق المالية في فترتها المسائية في نظام التداول السابق. ويلحق بالنوك من المرحبين والمتحمسين لفترة التداول الواحدة مكاتب السمسرة والوساطة التي وان لم يبدأ عملها بشكل فاعل حالياً، الا انها لاتحبذ البقاء الى السادسة والنصف او السابعة مساء لا سيما وهي مثل البنوك تبدأ دوامها باكراً عند الثامنة، كما ان التداول الجديد سيجعل موظفي الحكومة او القطاع الخاص يتعاملون مباشرة مع هذه المكاتب، لأن وقت التداول الجديد لم يعد يعطي الموظفين متسعاً من الوقت لمتابعة السوق خلال تداولها. والمرحب الثالث بالتداول الجديد، بلاشك هم موظفو هيئة السوق، الذين اصدروا النظام الجديد، ومسؤولي شركة"تداول"، فلن يضطروا الى البقاء في مكاتبهم حتى بعد صلاة المغرب، لمتابعة ومراقبة السوق ضد أي غش او عطل او مخالفات، وبالتالي سيجدون وقتاً بعد العصر لقضاء حاجاتهم الاخرى او البقاء بصحبة اطفالهم وعوائلهم. اما عن الكثرة والاغلبية وهم المتداولون او المستثمرون في السوق، فإن شريحة منهم لم تهتم كثيراً بتغيير موعد التداول وقصره على فترة واحدة، وهم الاقلية غير المرتبطين بدوام رسمي في الحكومة او القطاع الخاص، وانما هم شبه متفرغين لمتابعة السوق صباحاً او مساء او ظهراً، في حين حرمت فترة التداول الجديدة الشريحة الاكبر من المتداولين وهم موظفو القطاعات الخاصة وموظفو الحكومة من متابعة السوق، فالاولون لاتنتهي اعمالهم الا بعد اغلاق السوق، في حين ان الآخرون لن يجدوا الا اقل من نصف ساعة للتداول اذا ما اخذنا في الحسبان زحام الشوارع وصولاً الى الصالات، وان كانت البدائل الالكترونية ستخفف مأساتهم، الا ان ذلك سيكون على حساب أدائهم لأعمالهم الوظيفية، كما ان شبكة الانترنت لا تتوافر في كل الأجهزة الحكومية او الخاصة، وبالتالي فمن المتوقع ارتفاع نسبة التسرب باتجاه السوق لمتابعة التداول. نقطة اخرى تتعلق بالطقس وأوقات الصلاة ربما أثرت في أحجام التداول والإقبال على الأسهم بعد إقرار فترة التداول الوحيدة، ففي الصيف مثلاً ليس من المتصور الخروج الساعة الثانية ظهراً وفي درجة حرارة تصل الى 50 درجة مئوية في الظل للذهاب إلى الصالات، ولا ادري كيف ستعالج الهيئة المسألة، كما أن صلاة الظهر في الشتاء ستكون الساعة 11:40 دقيقة ظهراً، في حين ستكون صلاة العصر في حدود 2:45 دقيقة بعد الظهر، وبالتالي فإن السوق ستتوقف مرتين لأداء الصلاة ولما يصل الى 20 دقيقة في كل مرة، ولانعلم كيف ستتصرف البنوك إزاء هذه القضية وهل تتوافر لديها مصليات كافية لجموع المتداولين الكبيرة. وختاماً فإن كانت فترة التداول الواحدة جاءت بعد دراسات قامت بها هيئة السوق، الا ان السلبيات التي ذكرناها تجعل الهيئة ملزمة بالقيام بدراسة مستفيضة بعد مضي فترة زمنية كافية، ومن ثم تعديل موعد التداول مرة اخرى، بحسب مايراه المتداولون، فلم توجد الهيئة ولا مكاتب الوساطة ولا البنوك الا من اجل المتداولين، وبالتالي فإن آراءهم ومصالحهم هي التي يجب تقديمها على ماعداها من مصالح الجهات والأطراف الأخرى، والله من وراء القصد.