دفعت قوات المجلس الوطني الانتقالي أمس بمئات الآليات العسكرية وآلاف المسلحين إلى قلب مدينة سرت، مسقط رأس العقيد المخلوع معمر القذافي، في مسعى لحسم المعركة المستمرة منذ أسابيع. وحقق مقاتلو الحكم الليبي الجديد تقدماً واضحاً على الأرض على رغم القناصة وعواصف رملية هبّت على المدينة وأعاقت الرؤية. كما أن مسلحي القذافي المتحصنين داخل سرت واصلوا أيضاً إبداء مقاومة أخّرت على ما يبدو الحسم الذي يشترطه المجلس الانتقالي لإعلان حكومة جديدة تفتح رسمياً مرحلة ما بعد القذافي. وبدا أن كل خطوة يخطوها الثوار داخل سرت تتطلب منهم تقديم تضحيات جديدة بالأرواح، في ظل انتشار «قناصة القذافي» على أسطح الأبنية والعمارات السكنية. ولم ترد إحصاءات شاملة عن عدد الضحايا الذين سقطوا أمس، على رغم تسجيل سيل من سيارات الإسعاف تنقل من الجبهات قتلى ومصابين. وأفادت تقارير غير رسمية عن وقوع 26 قتيلاً وأكثر من 200 مصاب من الثوار خلال مواجهات الجمعة. وعلى رغم مقاومة النظام المخلوع، إلا أن الثوار واصلوا تحقيق تقدم ميداني على الأرض، في ظل تغطية جوية وفرتها لهم طائرات حلف شمال الأطلسي. وبدأ «الهجوم الحاسم» للثوار من ثلاث جهات (الغرب والجنوب والشرق) فجر الجمعة وهدف إلى إرغام جنود القذافي على الانكفاء عن وسط سرت والتراجع شمالاً نحو ساحل المتوسط. وأبدى مسلحون تابعون للنظام السابق مقاومة شرسة حول مركز واغادوغو للمؤتمرات حيث تحصنوا في أبنيته وفي «الساحة الخضراء» القريبة منه في قلب المدينة. ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن سليمان علي، وهو أحد قادة الثوار، أن القوات الموالية للنظام المخلوع أُرغمت على الانسحاب من مستشفى ابن سيناء التي يحتمي بها مئات المدنيين الفارين من شدة القتال. وسبق للثوار أن أعلنوا في الأيام الماضية أن المعتصم، نجل القذافي، يتخذ من المستشفى مقراً يدير منه عملية الدفاع عن سرت. وقالوا إنه يحتمي بالمستشفى لمعرفته بأن حلف «الناتو» لن يلجأ إلى قصفه. وليس واضحاً ما إذا كان المعتصم ما زال في سرت. وقال ناطق عسكري باسم الثوار في طرابلس هو عبدالرحمن بوسين إنه يتوقع إعلان تحرير المدينة في الساعات ال 24 المقبلة (اليوم). وأضاف: «لقد أخذوا (الثوار) معظم المدينة ولم تعد هناك سوى بقع محدودة من المقاومة»، لكنه أقر بأن القناصة ما زالوا يشكلون تهديداً لجنود الحكم الليبي الجديد. وعلى رغم تحلق طائرات «الناتو» فوق سرت، إلا أن وكالة أسوشيتد برس ذكرت أنه لم تكن هناك تقارير عن غارات، وهو أمر يختلف عن تقارير صحافية أخرى أكدت أن طائرات الحلف شنت بالفعل غارات على مواقع النظام المخلوع. وأحياناً تكتفي طائرات «الناتو» بشن غارات وهمية فوق مواقع معينة من دون إلقاء قنابلها. وتمثّل السيطرة على سرت هدفاً أساسياً أمام المجلس الانتقالي قبل إعلان «تحرير» ليبيا من القذافي، إذ أنها تحتل موقعاً استراتيجياً يفصل شرق البلاد عن غربها. وما زال للقذافي مناصرون في بلدة بني وليد. لكن المجلس الانتقالي يقول إن «إعلان التحرير» لا يرتبط بالسيطرة عليها، على رغم الاستعدادات الواضحة لمقاتليه لشن هجوم حاسم عليها خلال أيام قليلة.