الحزن المقبل من الفراق لا يمكن تغييبه أو تجاهله، فجميع المسلمين والعرب يتشحون بسواده هذا اليوم، لأن الراحل ليس مجرد إنسان انتهى بحياته نهاية قدرية بل هو أمة بأكملها. إن الحديث عن شخص بحجم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - غفر الله له - تقف الكلمات قاصرة عاجزة أمامه، و تتلاشى وتفر من عظم المسؤولية التي ستنوء بحملها، فهو ليس عابراً على التاريخ البشري والإنساني عبوراً يتناساه الفرد مع الوقت، بل هو تجسيد حقيقي ومتجدد لمرحلة من أهم المراحل التي مرت بها بلادنا ومر بها عالمنا الإسلامي، إنني كأحد أبناء هذا الوطن وأحد الذين تأثروا بهذا الرجل وفكره وتاريخه لا يمكنني سوى الابتهال إلى الله بأن يتقبله قبولاً حسناً، وأن يتغمده بواسع رحمته، فقد كان لنا جميعاً كسعوديين أباً رحيماً رؤوفاً حكيماً، كان فخراً لنا وكان دولة بذاته... إن كثيراً من المواقف التي اختزلتها وعبر سنوات أجد نفسي أكتبها دونما تعمد أو ركون إلى صنعة الكتابة أو الالتزام بحرفيتها، فالمصيبة أكبر من التنمق بأدبيات لن تضيف... إن كلمات نقيب المحررين في لبنان نائب رئيس اتحاد الصحافيين العرب الأستاذ"ملحم كرم"ما زال صداها في أذني يتردد حينما سألته ذات حوار عن أهم الشخصيات العربية في العصر الحديث، فأجاب الرجل ودونما تردد أو تفكير أنه"الملك فهد"وأردف قائلاً:"إن شخصاً يضحي بالمال من أجل إنقاذ مجتمعه ومن أجل الحفاظ على وطنه وعلى سلامته وأمنه لا تملك أمامه إلا أن تنحني له احتراماً وتقديراً"... لقد تجاوز هذا الرجل بشعبه كوارث كان من الممكن أن يدفع ثمنها أنا وأنت وأي سعودي كبير أو صغير، لقد مرت المنطقة بحروب وتوترات تقود وتفضي إلى الهلاك والخراب والدمار، ومع ذلك لم يشعر بها أي مواطن، بل على العكس ففي الوقت الذي كانت تنهار فيه مجتمعات من حولنا كنا وما زلنا ولله الحمد نعيش وحولنا سياج من الأمن يحفظ دماءنا وأرواحنا وأرواح ابنائنا... رحمك الله أيها الفقيد فمثلك تبكيه الرجال، ومثلك يبكيه الإسلام والعروبة... رحمك الله يافهد الأب والملك والقائد... يكفيك فخراً يا رجل ان الحرمين الشريفين لم يشهدا توسعة أكبر من تلك التي تمت في عهدكم... ويكفيك دعاء الأمة الإسلامية وفي شتى البقاع بطباعتك لكتاب الله وتوزيعه على نفقتكم الخاصة مجاناً، إضافة للمشاريع العملاقة التي أقيمت للحجيج... ويكفيك أنك أكبر داعم لقضايا المسلمين في شتى بقاع الأرض شرقها وغربها... ويكفيك أنك مؤسس وباني أكبر مركز للثقافة الإسلامية في أوروبا... ويكفيك ما قدمته لمشروع"فاس"والقرار التاريخي الذي اتخذته لإعادة الكويت إلى أهلها... ويكفيك أنك أصدرت أهم التشريعات في عهدك مثل نظام المقاطعات ومجلس الشورى وغيرها الكثير... ويكفيك اعلانك بتشرفك واعتزازك بحمل لقب خادم الحريمن الشريفين... ويكفيك يا رجل أنك أول من حقن دماء الإخوة في لبنان بإطلاقكم لاتفاق الطائف، وأنكم أول من دعا لحقن دماء المسلمين في أفغانستان... وأول من دعم وساند الشعب العربي والاسلامي أياً كان موقعه في محنه... وأول من مد يد السلام بين العرب والمسلمين وبسطها كدليل على رقي السعودي وأخلاقياته المترفعة دوماً عن الصغائر... وأول من تكلف بترميم قبة الإسراء في مدينة القدس... وأول من وقف في وجه الأميركان حينما دعوا إلى أن تكون القدس عاصمة موحدة لليهود... واول من ضاعف عدد الجامعات والمدارس في بلادنا، وأول من وصلت المرأة السعودية في عهده إلى مراكز دولية مرموقة ومتقدمة... أنا وغيري نثق في لحظة كتابتنا هذا الموضوع اننا تحت تأثير صدمة أفقدتنا كثيراً من التوازن، واختلطت علينا بسببها الامور، ولم ولن نفلح في إحصاء إنجازات الفقيد الراحل، لأنها أكبر من أن تعد أو تحصى. ليرحمك الله يا سيدي وسيد العرب والمسلمين... ويوفق الله مليكنا الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود إلى ما فيه الخير والصلاح، فهو سليل مجد وفخر لنا، وهو ملك في قلوبنا قبل أن يكون ملكاً على جغرافيتنا، وليوفقه الله ويحفظه، ويديم عزه وعز بلادنا أبد الآبدين... آمين يا رب العالمين. [email protected]