واصل مستخدمو الإنترنت لليومين الثاني والثالث بعد وفاة الملك فهد وانتقال الحكم للملك عبدالله، بث أحزانهم ونثر مشاعرهم عبر الشبكة العنكبوتية، مؤكدين تعاضدهم مع الحكومة السعودية بمبايعتهم العاهل السعودي الجديد إلكترونياً، رابطين بين التأبين والعزاء في الملك الراحل، والبيعة لخلفه من خلال تداول نص تقريبي لصيغة افتراضية للبيعة، وتأكيد الموافقة عليها"أعلن بيعتي لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز، في المنشط والمكره والسراء والضراء"ويلي النص السابق، مكان مخصص للتوقيع باسم كاتبه تسبقه كلمة"أنا المواطن". هذا الشعور الوطني أدى إلى الإعلان عن بعض الأسماء التي طالما توارت خلف أحرف مختصرة، وفي الغالب أسماء رمزية ليست حقيقية. وحضرت في التأبين والبيعة الإلكترونية أسماء كتاب صحافيين وإعلاميين تواصلوا إنترنتياً، إلى جانب مقالاتهم مع المواطنين عبر الصحف اليومية، مساهمين في المبايعة النتية عبر المنتديات، في محاولة للتعبير والتواصل و نقل الصورة للعالم العربي ولو إلكترونياً، وخلق تقريب لما يجري من أحداث على أرض الواقع، ولا يستطيع الجميع رصدها ومواكبتها، إلى جانب اتساع رقعة المملكة العربية السعودية، واتخاذ قرار مبايعة أمراء المناطق كل في مكانه، ما أدى إلى استخدام التقنيات الحديثة كوسائل تعبير. لوحات مفاتيح المغتربين السعوديين المبتعثين لاستكمال التعليم في أميركا حاولت التنفيس عن تفاعلها مع الحدث، بكتابة كلمات قصيرة ومعبرة مثل" نودع الفهد ونبايع عبدالله"، لتعزيز مشاعر الانتماء والولاء مكتوبة بلون العلم السعودي الأخضر والأبيض، استحضاراَ للحس الوطني. ودعا خبراء في الحقل السياسي، وأكاديميون، إلى أهمية الاستفادة من تجربة انتقال الحكم، وتناقلتها المنتديات كشاهد على التجربة والمرحلة، ولعل أبرز ما مر في الذاكرة السعودية و تناقلته منتديات الإنترنت في هذه المناسبة الحزينة، هو ربط الترحم على الملك فهد بفلذة كبده الراحل الأمير فيصل بن فهد، الذي كان يلقب ب"أمير الرياضة والشباب"في بعض الرثائيات الإنترنتية، منادية إياه ب"أبو فيصل"أو"أبا الفيصل"، وكتب أحد المتحاورين في مرثيته قبل ان يوارى جثمان الملك الراحل الثرى، قائلاً:"اليوم تلبس الأرض السواد... وتتوشح السماء بالحداد"، وخصصت صفحات معينة بطريقة منظمة للعزاء، وأخرى للرثاء، وثالثة لسرد المناقب والتنادم عبر الحديث عن"الملك الأب"كما كانوا ينادونه في أحيان أخرى، مثمنين له ما أنجز في حقبته، إضافة إلى استذكار المناقب العلمية للفقيد، والتطرق بإسهاب إلى إنجازاته في فتح أفق الابتعاث ورعاية التعليم الشمولية، وتوسعة الحرمين الشريفين، ونصرة القضية الفلسطينية، وغيرها. وأدى توافر خدمة التفاعل بالرد على المقالات عبر الصحف على شبكة الإنترنت، إلى تفاعلات اشتملت ترحماً عفوياً، ودعاء من القلب، وامتناناً من المسلمين خصوصاً لما توافر لهم في الحرمين الشريفين، متمنين للشعب السعودي الصبر والسلوان. من ناحية أخرى، ربط الإماراتيون عبر المنتديات السعودية، بين وفاة الشيخ زايد وما عاناه الشعب الإماراتي من مرارة الفقد وبين ما يعيشه السعوديون حالياً من مرحلة مروا بها وعايشوها، وتناول الشعب الكويتي في الذكرى الخامسة عشرة لغزو الكويت أمس، ذكرياتهم مع الحزن، صحبتها دموع أخفتها السطور على ضحايا الاحتلال، مرتبطاً بامتنانهم الحزين للسعودية والسعوديين تفاعلاً مع رحيل الفهد. أما السعوديون فعبروا عن الشعور بالامتنان، نتيجة لما صاحب إعلان الوفاة من هدوء وتنظيم وتعاضد، للإمساك بزمام الأمور بسلاسة وبدا هذا جلياً من خلال الشكر والعرفان المتكرر للجهات المسؤولة على انتقال الحكم بهذه الصورة المشرفة، مستعرضين صوراً للملك عبدالله بن عبدالعزيز، وارتبط ذلك بتعبير العرب والمسلمين المقيمين، الذين اعتبروا ماحدث"ملحمة شعبية"، معبرين عن استيعابهم للحميمية والحس الوطني العالي بين القيادة والشعب السعودي والمقيمين على أرض المملكة. الإجماع كان قاسماً مشتركاً، في سبق لم يتكرر من سعوديين وعرب ومسلمين، بثوا مشاعر الحزن الإلكتروني مودعين الملك الراحل، ومبايعين بعفوية عن شعوبهم، ومن أبرز ما كتب عبر تعليق لعمرو فاروق السيد غانم مصري مقيم في الطائف مبايعته للملك عبدالله بقوله:"أعرف أنني لست سعودياً، لكنني أبايعك، فالسعودية ليست للسعوديين فقط، قلوبنا تتعلق بها، وفيها قبلتنا، ومهد إسلامنا، وإطار ديننا.أبايعك لأنكم أحسنتم وفادتنا كحجاج، أبايعك لأنكم رحبتم بنا كعاملين بعدما ضاقت بنا السبل في بلادنا. أبايعك على الأمن الذي نعيشه في ربوع هذا الوطن الجميل. أبايعك على الحفاظ على صورة الإسلام في حياتنا. الملك عبد الله لا أبايعك وحدي بل نبايعك نحن المصريين داخل المملكة الحبيبة".