أوضحت دراسة حديثة أنه لا جدال في أن البشرية استفادت كثيراً من التطور التقني الهائل الذي شمل مختلف مجالات الحياة، وأن الأجهزة الأمنية قامت بدورها لتأخذ بنصيبها الوافر من هذا التطور لتوظفه في خدمة أمن الأفراد والمجتمعات، لافتة إلى أن عصابات الإرهاب والمجرمين ليست معزولة عن هذا التطور، بل سارعت هي الأخرى إلى أخذ نصيبها من هذه التقنيات، مضيفة إليها غير قليل من الدهاء والذكاء واستعمال الحيلة، فزادت الأمر تعقيداً. إن الأمر يتطلب جهوداً جبارة وتعاوناً وثيقاً بين الأجهزة الأمينة وبين كل الدول على اختلاف أنظمتها السياسية والاجتماعية للتصدي لهذه الظاهرة. مشيرة إلى تحرك مجلس وزراء الداخلية العرب لوضع استراتيجية عربية حرصت جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية على تطويرها وعلى دعم التعاون العربي والدولي في هذا الصدد. وجاءت الدراسة التي أعدها اللواء الدكتور محمد فتحي عيد، ولخصها الدكتور طه بن عثمان الفراء، متماشية مع الخطة المرحلية لتنفيذ تلك الاستراتيجية، والتي ترتكز على العلاقة بين التقنية والإرهاب ممارسة ومكافحة. تعرض الباحث عبر هذه الدراسة لأسباب نشوء ظاهرة الإرهاب وتتبع واقعه على المستوى الدولي، ووقف وقفة متأنية عند الأساليب والتقنيات التي يستخدمها الإرهابيون، واستعرض بعض الحوادث والقضايا الإرهابية وتجول طويلاً في ميدان مكافحة هذه الظاهرة التي أصبحت تمثل هاجساً وقلقاً للمجتمعات الإنسانية في جهات الدنيا الأربع. ويعد الباحث الإرهاب ظاهرة من ظواهر السلوك الإنساني الشاذ، وأنها وليدة مزيج من العوامل الشخصية والبيئية تؤثر ويتأثر بعضها ببعض، وتحتاج إلى معالج جذرية تستأصل هذه المؤثرات المؤدية إلى هذه الظاهرة، التي تقلق دول العالم النامية والمتطورة على حد سواء. وهدفت هذه الدراسة إلى الوقوف على السمات المشتركة للتنظيمات الإرهابية، والتعرف على حجم ظاهرة الإرهاب عالمياً، وتحديد الوسائل التقنية وإدارتها لدى الإرهابيين، وأثر استخدام هذه الوسائل في الوصول إلى تدابير ناجعة في مكافحة الإرهاب على كل من المستوى المحلي والوطني والعالمي. وعلى رغم اختلاف التعريفات للإرهاب وتعدد الأسباب وراء تفاقم هذه الظاهرة، تبقى الحقيقة الماثلة في أن الإرهاب بدأ يلفت أنظار العالم ? بناء على التقارير الأميركية المتاحة ? منذ عام 1972 ثم أخذ عدد حوادث الإرهاب في التصاعد منذ عام 1985، إذ سجلت الإحصاءات 635 حادثاً، و612 حادثاً في سنة 1986. ومع أن الأعمال الإرهابية التي وقعت نسب بعضها إلى العرب، إلا أن الإحصاءات صمتت عن ذكر بعض الأعمال الإرهابية المنسوبة إلى غير العرب كحادثة إرغام سلاح الجو الإسرائيلي الطائرة الليبية التي كانت تقل عدداً من المسؤولين السوريين على الهبوط في إحدى القواعد الإسرائيلية والذين تعرضوا للاستجواب والإرهاب. ويعيد الباحث إلى الأذهان موقف الولاياتالمتحدة من الإرهاب الذي لا تعترف به ولا تسميه باسمه إلا إذا أصاب مصالحها لذلك فهي تؤكد دائماً على أن نبل ودوافع ارتكاب الفعل الذي يثير الفزع والرعب لا يضفي الشرعية على العمل ولا ينزع عنه صفة العمل الإرهابي، ومن ثم فهي لا تعترف بحث الشعوب في استخدام الكفاح المسلح لنيل حقوقها المستلبة، على رغم تأكيد تقارير البنتاغون على وجود صلة بين التدخل العسكري الأميركي في الشؤون الداخلية لبعض الدول وزيادة العمليات الإرهابية ضد المنشآت الأميركية والمواطنين الأميركيين. أما بالنسبة إلى أعداد ضحايا الإرهاب فإن الباحث يشير إلى أن عدد الضحايا منذ سنة 1992 كان في تصاعد حتى بلغ الذروة في عام 1995، ثم بدأ في الهبوط حتى وصل إلى أدنى حد عام 1998، لأن أسلوب الإرهاب الأمثل آنذاك كان التفجير. ومع أن المنظمات الإرهابية تعتبر الولاياتالمتحدة الهدف الأول لعملياتها فإن الإحصاءات التي أعدتها الأجهزة التابعة للولايات المتحدة تؤكد أن عدد ضحايا الإرهاب من رعايا الولاياتالمتحدة في العمليات الموجهة ضد المصالح الأميركية أقل بكثير من رعايا الدول الأخرى، خصوصاً رعايا الدول التي نفذت العمليات على أراضيها. وكانت الحوادث أكثر دموية في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط على رغم أن ترتيب دول العالم من حيث توزيع جرائم الإرهاب يضع أميركا اللاتينية في أول القائمة، يليها غرب أوروبا، ثم آسيا، ثم أفريقيا، ثم الشرق الأوسط وأميركا الشمالية. وأجملت هذه الدراسة دوافع الإرهاب وأسبابه بناءً على دراسات أخرى، أشارت إلى أن من أهم أسباب الإرهاب: الخلل التربوي في المجتمعات، وعدم التوافق الأسري، والاتجاهات الرافضة بين الشباب، والمشكلات السياسية والاقتصادية الناجمة عن البطالة، والمشكلات النفسية، والمشكلات الاجتماعية التقليدية مثل تباين مفاهيم الأجيال السابقة واللاحقة، والسياسات الخاطئة لبعض الحكومات التي سمحت بنمو تيارات التطرف الديني، ووجود قوى دولية لها مصالح في زعزعة الاستقرار في بعض بلدان العالم العربي، وانتشار السلاح على نطاق واسع بعد انتهاء الحرب الباردة. أضف إلى ذلك التدخل العسكري في الشؤون الداخلية لبعض الدول، علاوة على النزعات العنصرية والتعصب للعرق أو الجنس أو الدين في كثير من بقاع الأرض.