بدأ السعوديون يتجادلون حول المراكز الصيفية التي اعتادت الحكومة السعودية على دعمها وتشجيعها بهدف إشغال أوقات الفراغ لدى شرائح من الشباب الذين لا يتمكنون من قضاء إجازاتهم خارج المدن والقرى السعودية. وأتى الجدل هذا العام مبكراً وقبل اختتام الاختبارات النهائية للعام الدراسي الحالي إلا أنه شهد حالة من التصعيد كما في السنتين الماضيتين، بسبب التشكيك في أنشطة بعض المراكز التي قيل إنها"تورطت بالفعل في استغلال بعض الشبان الذين يرتادونها بتلقينهم بعض المعتقدات التكفيرية، إضافة إلى التدريب على الأسلحة الخفيفة". وإذا كان تداول هذه التهم بين السعوديين في السنتين الماضيتين يتم في أجواء ساخنة، تماثل أجواء العمليات الإرهابية التي شهدت كثافة خلال صيف العامين الماضيين، فإن النقاش حول المراكز الصيفية هذا العام، سيظل مقصوراً على التنادي بتشديد الرقابة عليها، حتى لا يجري استغلالها سلبياً، وتأكيد المحسوبين على التيار الديني في البلاد الذين يمثلون غالبية المشرفين على المراكز بأنها ? أي المراكز-"أثبتت نجاحاً، أقنع القيادة السعودية بالاستمرار في دعمها وتشجيعها". كما يرى مدير إحدى المدارس الابتدائية في الرياض. إلى ذلك، أعلن المدير العام للنشاط الطلابي في وزارة التربية والتعليم سعد بن عبدالعزيز العقيل عن عزم وزارته افتتاح 330 مركزاً صيفياً في مختلف مناطق ومحافظات المملكة التعليمية عقب نهاية الاختبارات الدراسية، تستمر ستة أسابيع. وكشف أن وزارة التربية رصدت لذلك نحو عشرة ملايين ريال، انطلاقاً من أهمية النشاط الصيفي في استثمار أوقات الطلاب في برامج تربوية هادفة تصقل مواهبهم وقدراتهم وتحفظ أوقاتهم في ما يفيدهم وينفعهم، مشيراً إلى أن هناك أيضاً مراكز صيفية مماثلة سيتم افتتاحها تصل إلى 170 مركزاً، وهي مبادرات من المدارس الأهلية والمؤسسات الاجتماعية التي تقوم بهذا الدور لكنها تخضع لإشراف مباشر من وزارة التربية والتعليم ليصل مجموع هذه المراكز إلى 500 مركز صيفي. وعلى رغم القصص التي يتداولها بعض الكتاب المعروفين على الساحة المحلية بمعارضتهم للمراكز الصيفية، إلا أن شخصيات تربوية في الوسط السعودي تقر بأن المراكز تؤدي عملاً جليلاً، وإن كانوا لا يبرئونها من أي تقصير. ويرى الكاتب السعودي حماد السالمي، وهو أحد أبرز المنتقدين للمراكز الصيفية أن"الممارسات في بعض المراكز والمعسكرات الدعوية خارج التوجيهات الرسمية أصبحت مجالاً لنشر التسجيلات الصوتية غير المرخصة في المجتمع بشكل واسع، وهذه التسجيلات كثير منها يحمل وجهات نظر لأناس معروف عنهم التشدد والتطرف". وعلى رغم ذلك فإن السالمي لا ينكر أن"كثيراً من المراكز تستضيف وجهاء وأناساً خيرين، وتنفذ برامج جيدة، إلا أنها مع ذلك ، تتورط في الحث على كره الآخر عبر ما يسمونه الأناشيد الإسلامية، وتأخذ الشباب للبراري، ولا ندري ماذا يجري هنالك، وأنا هنا أذكر بأنني أدعو فقط إلى إصلاح المراكز والرقابة الشديدة عليها بما ينسجم مع توجهات الدولة والمجتمع، وليس مع ما يريده بعض الوعاظ". وفي هذا الاتجاه، أكد عضو مجلس الشورى السعودي الدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن الثنيان، وكيل وزارة التربية والتعليم السابق ل"الحياة"أن"المراكز الصيفية تحفظ الشباب من سلوكيات كثيرة، وربما من أمور كانت أخطر مما تتهم به. وأن يوجد في المراكز الصيفية من ينشر ثقافة الموت كما يقال، ومن يدرب على السلاح، إن كان ذلك صحيحاً من الأساس... لا يجوز أن يحملنا على اتهام المراكز الصيفية بأنها لا تجدي نفعاً... فإذا خرج من مئة ألف ثمانية أفراد غير أسوياء، فإن ذلك لا يصلح مؤشراً إلى فساد المشروع، ولو عدت إلى التعليم لطبقت المنهج ذاته". وكانت المخيمات الصيفية التي يرتادها عشرات الآلاف من الشبان السعوديين والمقيمين في السعودية، شهدت في العام الماضي نشاطاً مكثفاً، وأسهمت في تنوير مرتاديها، وترسيخ الفكر المعتدل لديهم، بعدما عانت البلاد من التطرف، واكتوت بنيران عدد من أبنائها الذين جرى تجنيدهم ضدها، كما يرى العلماء والسياسيون. وأشارت وزارة التربية والتعليم في بيان لها إلى تحديدها ضوابط محددة لافتتاح المراكز الصيفية، أبرزها أن يكون المركز يقع في حي ذي كثافة سكانية عالية، ومن خلال مبنى مدرسي حكومي بمرافقه المتكاملة، إلى جانب وجود هيئة إشرافية من المعلمين المتميزين في الأنشطة الطلابية ومن المعروفين بحسن التوجيه والإرشاد للطلاب، كما أن الوزارة ستخضع مديري المراكز الصيفية لتدريبات، تهدف إلى تزويدهم بخطة عمل المراكز، وكيفية إدارتها بنجاح لتحقيق الأهداف التربوية المنشودة.