على رغم تمرسه في مواجهة مواقف صعبة وتحديات قاسية، كان الوقوف أمام جثمان والدته المسجى في مسجد الفاتح في إسطنبول، أصعب موقف واجهه في حياته، إذ ودّع أقرب إنسان إلي قلبه. انهمرت دموع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وهو يقرأ الفاتحة على روح والدته السيدة تنزيلة، ورفيق دربه الرئيس عبدالله غل يواسيه، واقفاً الى يساره في التشييع الذي حضره الآلاف من الأقارب والمسؤولين والمواطنين، فيما توالت رسائل التعزية لأردوغان، بما في ذلك من الرئيسين الأميركي باراك أوباما والسوري بشار الأسد. السيدة تنزيلة التي جعلت رجل تركيا القوي يبكي، طالما بكته هي في صغره، كما روى أكثر من مرة، خشية عليه من نتائج مسيرته السياسية. أردوغان المعروف بولعه بوالدته وقربه منها، روى أنها كانت تنتظر عودته مساءً على ناصية الحارة في حي قاصم باشا الشعبي، وهي تخشى أن يُصاب بسوء بسبب القتال في سبعينات القرن العشرين، بين اليساريين واليمينيين. والدته كانت تخشى عليه أيضاً من غضب والده، بسبب ممارسته كرة القدم في شبابه ونزعته الى الاحتراف. ودموعها لم تجف أبداً، كما قال أردوغان الذي روى أن قلق والدته عليه استمر حتى خلال مسيرته السياسية، وعند كل امتحان واجهه، إذ كانت تسأله دوماً، في إشارة الى خصومه في الجيش ومعسكر الأتاتوركيين: «ماذا يريد منك هؤلاء يا ولدي؟». على رغم علاقته القوية بوالدته، فشل أردوغان في إقناعها بترك شقتها في حي قاصم باشا الشعبي، بعد توليه رئاسة الوزراء، والانتقال للعيش في أنقرة. إصرار والدته على البقاء في منزلها المتواضع، دفعه هو أيضاً إلى الإقامة في منزله في حي اسكودار في إسطنبول، وشقته الأخرى في حي غوفان ايفلار في أنقرة، رافضاً الإقامة في السكن الرسمي المخصص لرئيس الوزراء. يقول مقربون من أردوغان، أن عاطفته الشديدة إزاء والدته هي سرّ النزعة العاطفية التي تطبع سلوكه وتصريحاته السياسية. وكان أردوغان زار والدته (82 سنة)، قبل أسبوع من وفاتها، ليطمئن على صحتها، وألغى جدول أعماله لخمسة أيام حداداً عليها.