يقف علي السلمي ابن الأعوام التسعة بدراجته المتهالكة، أمام أحد المطاعم في شارع الأنوار في حي الخالدية المجاور لحي العود، والمتخصصة في إعداد الأكلات الشعبية، عيناه ترقبان من خلف زجاج المطعم كيف يعد أحد الطباخين"المثلوثة"الأكلة ذات الشعبية في السعودية. ذهبت مخيلة السلمي به بعيداً، فهو الآن يأكل منها ويتلذذ بطعمها، لكن سرعان ما أعاده صوت الطباخ الذي يطالبه بالابتعاد عن الزجاج إلى واقعه المرير، ليركب دراجته عائداً إلى منزله في الحي المجاور. شارع الأنوار أو كما يسميه مرتادوه"شارع المطاعم"دبت فيه حركة المطاعم منذ 11 عاماً كما يقول أحمد سالم صاحب مطعم:"أنشأت مطعمي قبل عشرة أعوام، وهو من أول المطاعم في الشارع، بعد ذلك بدأت المطاعم تظهر الواحد تلو الآخر، حتى صار شارعاً متخصصاً في الأكلات الشعبية". يمتد على جانبي الشارع ثمانية مطاعم كبرى، جميعها متخصص في طبخ وإعداد الأكلات الشعبية بمختلف أنواعها، فأصبح مقصداً لأصحاب الولائم والعائلات والعزاب على حد سواء، متجاهلين المطاعم الموجودة في أحيائهم، باحثين عن"شارع الأنوار". وما إن يصلوه حتى ينتهي بهم المطاف إلى"جلسة خاصة"في أحد أركان هذه المطاعم، أو بطلب"سفري"يتلذذون بطعمه في منازلهم، بعيداً من ضوضاء الشارع التي لا تهدأ خصوصاً في نهاية الأسبوع. وعلى رغم ارتفاع أسعار الأكلات الشعبية في هذه المطاعم، إلا أنك إذا أردت تناول غداء أو عشاء فيها، فإنك ملزم بالوقوف في"طابور"يكاد يصل إلى المدخل الخارجي للمطعم، وما إن تحجز طلبك، حتى تجد نفسك مضطراً للانتظار نحو نصف الساعة حتى تتمكن من تسلمه. سر هذا التزاحم يتحدث عنه زبائن المطاعم الذين أدمنوا تناول أكلاتها الشعبية. يقول عبدالله العنقري:"آتي إلى هذه المطاعم منذ ست سنوات وطوال هذه الفترة لم أنقطع عنها إلا السنة الماضية وذلك لسفري إلى الخارج، وما إن عدت حتى قادتني قدماي إليها، فالطباخون يتفننون في إعداد"المندي"بطريقة ما ان أسألهم عنها حتى يردوا علي بأنها"خلطة سرية". ويرجع جمعان الدوسري وهو من سكان حي البديعة مجيئه إلى الشارع على رغم توافر المطاعم في الحي الذي يسكنه، إلى جودة الأكل الذي يقدم في هذه المطاعم"الأكل عندهم مضبوط، خصوصاً اللحم، ولا يمكن أن يمر أسبوع إلا وآكل من عندهم". ويقول أحد أصحاب المطاعم محسن علي:"نحرص على كسب الزبائن من المرة الأولى، فنجلب أجود اللحوم، وأمهر الطباخين، ولا نرتاح حتى نشاهد الزبون يخرج راضياً، ويؤكد عودته إلينا مرة أخرى". في المقابل، يقطن الشارع عدد من العائلات التي لا يفصل بينها وبين هذه المطاعم إلا بضع خطوات، ومع ذلك لا يستطيعون أن يأكلوا منها نظراً إلى الظروف المادية الصعبة التي يعيشونها، ولعل موقف الطفل علي السلمي مع هذه المطاعم خير شاهد على تلك الظروف.