كنا في مراسلة سابقة حول بطولة العالم لكرة اليد تساءلنا: هل يفعلها الصغار أمام الكبار؟ وكان هذا التساؤل نزيهاً وتحكمه بعض الدلائل التي تقول: ان الصغار قادمون في كرة اليد كما هو الأمر في كرة القدم. وفعلاً هذا ما حدث في مونديال تونس لكرة اليد. انتفاضة الصغار عندما ننظر إلى الترتيب النهائي لمنتخبات البطولة نجد من جهة، تونس رابعاً واليونان سادساً وصربيا مونتينغرو خامساً والنرويج سابعاً ومن جهة ثانية ألمانيا بطل أوروبا تاسعاً والسويد في المركز الحادي عشر وروسيا في المركز الثامن وسلوفينيا وصيف أوروبا في المركز الثاني عشر في خريطة هذه اللعبة، ولابد إن نقول أن شيئاً تغير في خريطة هذه اللعبة، ولا بد من ان نعترف أن الصغار انتفضوا على الكبار الذين وجدوهم في طريقهم ونجحوا. الانتفاضة الكبرى لكن الانتفاضة الكبرى جاءت من اسبانيا، هذا المنتخب الذي لهث طويلاً في السنوات الماضية للحصول على هذا اللقب واذا ببطولة تونس تكافئه وتجعله يغنم الغنيمة الكبرى. لقد لعب المنتخب الاسباني ضد كرواتيا بأسلوب غاية في الذكاء والتخطيط الاندفاع البدني، وتمكن ببساطة من سحق بطل العالم، حتى إننا صرنا نتساءل هل هذا هو منتخب كرواتيا بحق؟ بهذا الفوز المستحق أنهت أسبانيا سيطرة مدرسة شمال أوروبا على كرة اليد منذ عقود وأقرت بداية عهد جنوب المتوسط، تساندها في ذلك تونس واليونان في عهد جديد نتمنى أن يتواصل في الفترة المقبلة، وتنضم إليه مصر ليكون هذا الرباعي حجر الزاوية في البطولة العالمية المقبلة في المانيا. المنتخبات العربية أما المشاركة العربية في هذه البطولة فباستثناء تونس فإنها لم تكن في المستوى المؤهل وخصوصاً بالنسبة للمنتخب المصري الذي وإن تم إعداده للبطولة باكراً لكان وصوله إلى مراكز متقدمة ممكناً جداً، لذلك فإن حصوله على المركز الرابع عشر يعتبر تقهقراً والجزائري في المركز 17 والقطري 21 والكويت 22 باعتبار ان عاملي الخبرة والاندفاع البدني القوي كانا حاسمين في المباريات التي خاضوها مع كبار اللعبة. ولكن نعتقد ان منتخبي قطر والكويت قادران على تقديم أداء أفضل بمواصلة الاحتكاك وكسب الخبرة مع المنتخبات الكبيرة وبالعمل على تقوية الدوري المحلي والتركيز على إعداد شباب عاشق للعبة. تونس... أحسن ظهير وأخيراً لابد من تنويه بانتفاضة أخرى حققها الصغار والمتمثلة في اختيار ظهير تونس وسام حمام أفضل ظهير أيسر في العالم... نعم في العالم... مثل هذا اللقب كان تحصل عليه حسين زكي اللاعب المصري الفذ في دورة سابقة حمام طار مع هذا اللقب إلى لقب آخر، هو أفضل هداف في البطولة ب18 هدفاً. نعم أفضل هداف وأفضل ساعد هو عربي تونسي. لم يكن أحد يحلم قبل بداية البطولة بأن يحصل أي لاعب عربي على مثل هذا اللقب، ولكن العزيمة وحب الوطن والتفاني في الأداء تجعل وسام حمام يتفوق على عمالقة الكرة مثل الروسي كوكشاروف كهداف وعلى القوة الضاربة لأسبانيا روميرو نتريرويوس والفرنسي جويل أباتي وغيرهم. هكذا تغيرت خريطة كرة اليد العالمية لمصلحتنا وهي البداية ولكن المطلوب من منتخباتنا لعربية مواصلة العمل الجدي القاعدي للحاق بركب الكبار، وليس المهم المنافسة على بطولة العالم المقبلة والتي تليها ولكن ألا تفعل تونس ما فعلته مصر بعد حصولها على المركز الرابع سنة 2001 إذ تقهقر أداؤها وها هي اليوم في المركز الرابع عشر... الاستمرارية ضرورية والمهمة ممكنة.