ما زلت العلاقة بين متابعي شاشات التداول وسوق الأسهم السعودية، يشوبها الشك وعدم الثقة، على رغم ما يقال عن تطور ملاحظ في السنوات الأخيرة، بملايين يتم تبادلها في ساعات قليلة، إضافة إلى إنشاء هيئة سوق المال. لنبدأ بالنقطة الأولى، وهي عدم ثقة المضاربين والمساهمين في السوق، وفي رأيي أن هذا الشعور نتاج طبيعي لاعتماد عمليات البيع والشراء على ركنين أساسيان هما الإشاعات وتتبع كبار المضاربين الهوامير، علماً أن هذين الركنين مرتبطان ببعضهما إلى حد ما، فالإشاعات في الغالب الأعم لا يطلقها سوى الهوامير، بهدف استغلال جهل صغار المساهمين، ومن ثم الاستحواذ على مدخرات ذوي الدخول المحدودة، التي جمعوها خلال سنوات من التعب والجهد، أو من خلال الاقتراض من البنوك المحلية. ويعود السبب في الاعتماد على الإشاعات إلى ما تشهده السوق من ضبابية لا مبرر لها، ولا أدل على ذلك من ارتفاع أسهم شركات خسائرها متواصلة، ولا يلوح في الأفق تحسن في أرباحها، أو حتى تطورها، وفي المقابل انخفاض سهم شركات كبرى تحقق أرباحا خيالية، ما يثبت أن هناك من يتحكم في أسعار الأسهم، ومن ثم في أرزاق الناس، مستغلاً دخوله بملايين الريالات، وها نحن نرى ونسمع بثبات أسهم على أسعارها لأشهر عدة، ثم ومن دون مبرر اقتصادي على الواقع يرتفع سعر السهم فجأة، وما يلبث أن يعود أدراجه مرة أخرى، مخلفاً ضحايا كثيرين، ولكنهم من الطبقة نفسها"البسطاء وذوي الدخول المحدودة". ولعلي هنا أشير إلى نقطة ينبغي على هيئة سوق المال الالتفات إليها، على رغم اعتقادي بعجزها عن ذلك، وهي تأخر بعض الشركات المساهمة في إعلان أرباحها وميزانياتها، أو بما يطرأ على مشاريعها، وجديدها في السوق، وتسريب تلك المعلومات إلى فئة معينة من المضاربين، وهم دائما كبار المساهمين والمضاربين، ما يجعلهم يتحركون بناء على هذه المعلومات قبل الآخرين، ولا تعلن تلك الأخبار ولا تنشر رسمياً إلا بعد أن يسيطر هؤلاء على الأسهم ويتحكمون فيها. أما ما يتعلق بهيئة سوق المال، فلا أدري ما أقول، غير أن سياستها في إدارة السوق تخالف ما وعدت المساهمين به، أو لنقل ما توقعوه منها. وحتى نكون واقعيين في طرحنا، وجريئين في انتقاداتنا، علينا القول إن مهمتها في السيطرة التامة على السوق صعبة للغاية، إن لم تكن مستحيلة، ما جعل التفاؤل الذي شعر به المساهمون تجاهها مقتضبا نوعا ما. ولا يعفي هذا الشعور الهيئة من أداء واجباتها المنوطة بها، وأعني تنظيم صالات التداول، والقضاء على الإشاعات، وما شابه ذلك من مشكلات يسهل القضاء عليها بقليل من الجهد ونظرة سريعة، والأهم من ذلك كله حماية الصغار، أو لنقل"الدراويش"، ولتكن لهذه المهمات الأولوية في برامجها، على الأقل في البداية حتى تقف على رجليها، وتتصدى للعقبات الكبرى. مع ذلك، وأقولها بملء فمي، لم تحقق الهيئة شيئاً مما وعدت به، ولا مما توقعه المتفائلون، ولا المقتضبون، حتى أنها ذهبت إلى أبعد مما ذهب إليه المتشائمون من إنشائها، والذين توقعوا أن تراوح مكانها ولا تغير شيئاً، فخالفتهم وتحركت، ولكن إلى الأسوأ، وأعني عندما أوقفت سهم شركة الكهرباء بعد ارتفاعه وتهافت البسطاء على شرائه، في خطوة استغربها الجميع، وطالت آثارها السلبية كثيرين، ولم نسمع تبريرات مقنعة حتى الآن عن الأسباب التي أدت إلى اتخاذها هذا القرار. ترى، هل أنا مضطر إلى قول إن سوق الأسهم الغامضة ازدادت غموضاً منذ إنشاء الهيئة؟ أعتقد ذلك، بل وأضيف إن قرارات الهيئة بات يعتريها الغموض، وحتى تبّرئ الهيئة ساحتها عليها أولاً تنظيف صالات التداول من الإشاعات، ليس بتكميم أفواه الناس، ولكن بالتنسيق مع الشركات المساهمة للوصول إلى الحد المقبول من الشفافية، ووضع قواعد وأسس ترتكز عليها السوق، وإن لم يحدث ذلك، فعليها أن تتوقع هجرة في الأيام المقبلة من سوق الأسهم، ولتفرح الهيئة بمضاربين من النخبة وأصحاب الملايين يسيرون بسوق الأسهم السعودية إلى المصير الذي انتهى إليه سوق المناخ في الكويت.