أعتقد أن الاتفاق على أهمية الإسراع، في الإصلاح الشامل عموماً، والإصلاح الإداري خصوصاً، يحمل بالضرورة رسالة موجزها الاعتراف بعهد جديد سوف يتم فيه إشراك المواطن في صناعة بعض القرارات التي تمس حياته في شكل مباشر. قبل الحديث عن مستقبل الانتخابات، والنتائج التي يعول عليها المواطن، وعلى رغم الفارق بين آليات تشكيل وعمل كل منهما، بدا لي أنه من المناسب الحديث عن تجربة الشورى، التي مضى عليها مدة تكفي لوصفها بالنضج قياساً إلى الخبرات البشرية العاملة في مجلس الشورى، ولكنه مايزال يفتقر إلى صفة تمكنه من عمل يجعل المواطن يطمئن إليه! ماذا نتنبأ من هذه التجربة، ونحن نرى أن بعض من تهافتوا عليها، هم من أولئك المتقاعدين الذين انتعشوا، لاستعادة دور قيادي. لقد سمعت كثيراً من القصص المضحكة، التي تناولت التجربة حتى عبر رسائل الجوال، وأخشى أن تطغى على هذه التجربة نزعات قديمة امتثالاً لقول الشاعر العربي-البدوي: وما أنا إلا من غزية إن غزت-غزوت وإن ترشد غزية أرشد. من خلال قراءة سريعة لهذا التحول إن جاز لنا أن نسميه كذلك، لابد أن نتساءل في صدق: هل جاء موعد الانتخابات متزامناً مع الحاجة إليها؟ وهل هي فعل يترجم نية مبيتة للإصلاح الإداري، أم أنها حزمة من ردود الفعل السريعة، لانتهاز فرصة ما بغرض تسجيل موقف؟ وهل بلغت درجة الوعي لدى المواطن إلى حالة من النضج، تسهم في تحويل هذه التجربة إلى ممارسة إيجابية، بدلاً من استثمارها في تكريس بعض مظاهر الطبيعة الاجتماعية في المملكة، وإعادة إنتاج الولاء للقبيلة بعيداً من الأهداف التي نصبو إليها. وذلك بعد أن بذلت جهود كثيرة لتجاوزها، نحو مجتمع يطمح أن يكون مدنياً؟ ويمكن الإشارة إلى قصور الحملات الإعلامية، التي كان يجب أن تتناغم في كثافتها مع حداثة التجربة وعزلة المواطن عن مناخاتها... وربما عدم الاعتراف بجديتها، كان نتيجة لفقر معلومات المواطن بها. هناك أيضاً الهواجس المسيطرة على ذهن المواطنين، وخصوصاً الآلاف من الشبان كالبطالة على سبيل المثال، التي ساهمت في العزوف عن التفاعل مع التجربة، نظراً إلى الأولويات. أستطيع القول أن هذه التجربة بقصورها وتأخرها في الحساب التنموي سنوات عن موعدها، إلا أنها جديرة بأن تبدأ، فإذا لم تنجح في كونها انتخابات، فلتكن تمريناً على تجربة الانتخابات.. وأتمنى أن تتسع مساحة النزعة نحو الإصلاح لينمو رأسياً وأفقياً، وعلى كل الأصعدة السياسية والإدارية والاجتماعية.