في البدء كان الشعر، والكلمة الأولى التي نطقت بها الطائف كانت قصائد في"عكاظ"ودوزنه للتاريخ. ذات التاريخ يشي أن الطائف مدينة ترفض إلا أن تكون في الطليعة في كل شيء حتى على مستوى الأحداث والجرائم البشعة التي حفلت به ساحة الأخبار أخيراً. سجل التاريخ يوماً أنها أول مدينة هبطت بها طائرة سعودية، وأول مدينة وتخطط هندسياً، وكانت أيضاً أول مدينة تعرف المشافي عندما غرس مسؤولو الصحة في البلاد مستشفى"شهار"النفسي في ركنها الجنوبي. هذه المدينة التي تستلقي على"أرخبيل"جبلي أخضر يمتد عبر جبال السراة تغازل المطر في كل مساء، ويتنفس هواءها النقي أكثر من مليون نسمة من مختلف الأجناس والأصول. أحد مديري التحرير في إحدى الصحف السعودية كان يعتقد أن الطائف بلدة صغيرة يقصدها السياح صيفاً ويخلد أهلها للنوم باكراً في الشتاء، وعندما غاص في جعبته المعلوماتية تذكر فاكهتها اللذيذة، واستحضر منظر القردة وهي تتقافز على سيارات الزائرين في جبال الهدا، هو الآن يتوقف كثيراً متى ما كان الحديث عن"الطائف". بأي عين تريد ان ترى الطائف ستراها، بعين السائح المسافر بين الغمام والجبال المخضرة، بعين العسكري الواقف يحرس وطناً وحلماً، بعين المزارع المبتهج باخضرار الأرض وكرم السماء، بعين الشاعر المتربع بين إلهام وبوح، بعين المواطن المثقل بالأيام ويرقب"التقاعد"، وحتى بعين الباحث والمتأمل في أسباب الجريمة وأدواتها. إنها الطائف إحدى"القريتين". يعج ماضيها بالأساطير، ويمتزج حاضرها بالمتناقضات. قيل إنها قطعة من بلاد الشام طاف بها جبريل ووضعها في هذا المكان، وقيل إنها وجدت قبل الطوفان وسكنها قوم ثمود. أما اليوم فهي تركيبة عجيبة من الثقافات وخليط سكاني يجمع بين زعامة القبيلة وكبرياء أبناء البلد. يتجاور فيها البدوي والقروي والحضري، وتحتضن نسبة لا بأس بها من نازحي بلاد تركستان. الطائف معادلة تحتاج الى تفكيك، وكهن يعجز المؤرخون محو طلسمته، ولكنها مع كل ذلك تبقى مدينة الورد والشعر ورفيقة المطر، ويظل أهلها يكنوّن لها أرتالاً من الحب والشوق والانتماء بأي حال كانت وعلى أي هيئة تكون.