يوشك الشاعر والروائي علي الدميني على الانتهاء من المراجعة الأخيرة لرواية صديقه ورفيق دربه الراحل عبد العزيز مشري، التي اختار لها المشري عنوان"المغزول"، وهي لفظة يطلقها عامة الناس في الباحة على من لا تروق لهم تصرفاته، وهي من العبارات التي لا يراد بها حقيقة معناها، وتأتي في إطار المداعبات. الرواية التي أعدها المشري قبل رحيله ستصدر مطلع العام الجديد، في 220 صفحة من القطع متوسط، ومن المنتظر أن تصل الطبعة الأولى إلى ألفي نسخة، وستتولى إصدارها إحدى دور النشر في بيروت. ويعد عبد العزيز بن صالح بن مشري أحد أبرز الروائيين العرب في القرن الماضي، وهو من مواليد قرية"محضرة"في منطقة الباحة، إحدى القرى في المنطقة الجنوبية. عشق القلم والورقة في سن مبكرة، فأصدر أول كتاب له بعنوان"باقة من تاريخ أدب العرب". بدأ بمصاحبة مرض السكر منذ الصغر، فكان ضيفاً ثقيلاً عليه، لا سيما أنه كان في بيئة فقيرة متخلفة. انتقل إلى المنطقة الشرقية وكانت البداية الإبداعية الحقيقية له، فبدأ بمغازلة الريشة والألوان، وشارك في معرض الفنون التشكيلية الثالث، ونال شهادة بذلك. في عام 1397ه نال شهادة الكفاءة المتوسطة في الدمام. واشتغل في الميناء لمدة قصيرة، وظل هاجس الكتابة لديه، والتحق بجريدة"اليوم"مصححاً، ثم محرراً. أنتج مجموعة من اللوحات بالحبر الشيني بعنوان"خطوط من رحيق الريشة"، إضافة إلى ديوان شعري جاء متمرداً على الشكل التقليدي للشعر، بعنوان"توسلات في زمن الجفاف"من 1974- 1978 في الدمام. انتشرت مضاعفات السكر الأولى فبدأ بالعينين، وسافر إلى لندن لعمل جراحة نزع الماء منها. كان كلما تقدم السكر وبدأ يمد سطوته تجاه جسمه، أكسبه ذلك صلابة الصخر وعنفوان الموج. كان لأصدقائه ودفئهم الأثر الكبير في حياته. تزوج من سيدة أردنية، وبعد معايشة اتفقا على الانفصال. أصدر له نادي القصة السعودي أول مجموعة قصصية بعنوان:"موت على الماء"عام1979. توقف عن الكتابة الإبداعية لمراجعة نفسه، خصوصاً أن المجموعة الأولى اتسمت بلغة اغترابية تعتمد على نحت المفردة والابتعاد عن اللغة التقليدية. كان يمارس العمل الصحافي في جريدة"اليوم"بالتحديد،"ملحق المربد الثقافي". استشرى السكر في جسده، فبدأ معاناة جديدة مع ضغط الدم، وما لبث أن أصيب بجلطة، واستطاع بكل قوة وإصرار الانتصار عليها. سافر إلى القاهرة، وهناك تعرض لكميات كبيرة من مضاد"الجنتامايسين"فأفسد عليه الكلى، قبل أن يطبع أولى رواياته"الوسمية"عام 1985. عانى معاناة مع التأمينات الاجتماعية بسبب دار"اليوم"حيث هضمت نحو خمس سنوات خدمة. في عام 1986 أصدر مجموعته القصصية الثانية"أسفار السروي". كتب كتاباً بعنوان القصة القصيرة الحديثة بالسعودية، ولم يطبع. ثم أصدر"بوح السنابل"عام 1987، وهي المجموعة القصصية الثالثة. وفي العام نفسه طبع مجموعته القصصية الرابعة"الزهور تبحث عن آنية". بدأ في كتابة الرواية الثانية"الغيوم ومنابت الشجر"في الدمام، وطبعها عام 1990. انتقل إلى جدة ولقي حفاوة من الأصدقاء، ولديه مشروع كامل من اللوحات التشكيلية، فعرض عليه البعض عمل معرض خاص، وكان ذلك في عام 1991 بعنوان"البيئة المحلية وتحولاتها الاجتماعية". أصدر روايته الثالثة"الحصون"عام 1992. تصالح مصالحة رهيبة مع جسده، فاجرى جراحة خطيرة هي زرع الكلى، مع معرفته بأنها قد تكون النهاية، خصوصاً مع وجود مرض السكر المزمن، وتكللت الجراحة بالنجاح. خلال ذلك، أصدر الرواية الرابعة"الحصون عام 1993. ثم مجموعة قصصية بعنوان"أحوال الديار"عام 1993 أيضاً. تعرض لجرح صغير استفحل حتى سبب"غرغرينا"فبترت قدمه اليمنى. ولم يزده ذلك إلا إصراراً على الإبداع، فأصدر الرواية الخامسة"في عشق حتى"عام 1993. ينظر إلى الحياة نظرة بيضاء ويحول ألمه إلى إبداع يسعد الناس. طلع بكتاب جديد"مكاشفات السيف والوردة"في عام 1996. وفي عام 1997 بترت رجله اليسرى من منتصف الفخذ، في مستشفى أوليمبيك في أميركا. عاد واستضافه النادي الأدبي في جدة لتكريمه. وكرمته جل المطبوعات السعودية. ثم كرمته جمعية الثقافة والفنون في الباحة، ووجد أصدقائه المناسبة ليهدوه"ابن السروي ... وذاكرة القرى". عاد له عشقه للقلم، فبدأ بكتابة روايته"المغزول"، التي لم تر النور حتى هذه اللحظة، لأن الموت كان أقرب له، إذ توفي مساء السبت 7/5/2000.